عندما حزمت الفصائل العسكرية حقائبها وتوجهت إلى "أستانة1"، كان كل ما في تلك الحقائب خرق بالية لا تباع ولا تُشرى.
ذهبت في أضعف حالاتها لتفاوض النظام الطرف المنتصر والمزهو بسيطرته على حلب، وإلى يمينه الروسي الذي نصّب نفسه عنوة خصما وحكما، وكذلك الإيراني الذي قدم بلا حدود للنظام ودخل معه في قلب مواقع المعارضة.
امتلكت الفصائل ورقة وحيدة، لا يمكن استخدامها بحرية، وهي موقف الجانب التركي، وهذا يقدّم مصالحه بعشرات المرات على رغبة الوفد والسوريين، وليس في ذلك عيب.
وازدادت ضعفا وهي على مقعد دراسة الهدنة بابتلاع "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقا) ومن انضم لها طواعية لعدد من تشكيلات الجيش الحر في إدلب، وكان ممثلون عن هذه التشكيلات قبل لحظات يتحدثون، وبات لزاما عليهم السكوت وسط سخرية الطرف المقابل الذي يراقب ما يجري وكأنه بما فعلت "فتح الشام" وملحقاتها يحقق انتصارا صنعه بنفسه.
رغم أن انقلاب "فتح الشام" على الجيش الحر ليس جديدا، لكن تصاعده في هذه الفترة حقق للنظام أكثر مما يطمح، ولو أنها أجلت اقتحامها لتشكيلات الحر أياما، أو كانت أكثر إيجابية من ذلك وسمحت لملحقاتها من الفصائل الإسلامية الأخرى بالذهاب إلى "أستانة" ومناقشة الهدنة، ربما سمح هذا بموقف قوي ولا سيما بما يخص وادي بردى وبقية المناطق في محيط العاصمة التي ستلقى المصير ذاته.
تركيا التي كانت تعهدت أثناء التحضير للأستانة بأن تُحضر ممثلين عن كل الفصائل، هي الأخرى بدت في موقف ضعيف لأنها لم تستطع أن تجرّ عددا من الفصائل الإسلامية وأكبرها "أحرار الشام".
والحال هذا لم يستطع وفد الفصائل تحقيق أكثر من الظهور الإعلامي والحديث على وسائله بنبرة مرتفعة ليس لها ما يسندها، وبدا هزيلا للغاية بإهمال المشاركين لمشروعه للهدنه وعدم عرضه للنقاش.
حتى أن الوفد تعرض لاتهامات (تأكدت أنها لم تكن دقيقة) مفادها أنه تنازل للروسي والإيراني والنظام عن وادي بردى، ولن يمانع في تسليم مناطق أخرى كالقابون وبرزة وحي تشرين في دمشق، رغم أنه لن يستطيع وقف استسلامها وركوب المقاتلين فيها الباصات الخضراء.
لا يمتلك الوفد ما يستطيع به منع انتهاكات النظام والميليشيات الطائفية و(الخصم والحكم) الروسي للهدنة، كما أنه مع حليفه التركي لا يمكنه إلا قبول مجرد الوعود بتنفيذ الهدنة، وهذا الأمر لا يحصل، ولا يزالون يتمنون على الطرف القاتل أن يتوقف عن القتل.
الأخصام يضربون ويقصفون كل مكان للمعتدلين وغيرهم بحجة محاربة "الإرهاب"، ولا يستطيع الجيش الحر الرد، وإن هو فعل ستكون المهلكة، وهذا ما أكدته معركة "المنشية" في درعا، حيث نفذ الطيران الروسي عشرات الطلعات الجوية ضد الحر بحجة إعلانه المعركة وخرقه الهدنة.
وعندما تتوجه للوفد العسكري المفاوض بسؤال: كيف تقبلون بأن يقصفكم الجميع ويمنعون عنكم الرد، وتستمرون في الهدنة؟ يكون الجواب فورا: وماذا نفعل وما هي الخيارات بين أيدينا؟ إن مجرد تخفيف القصف إنجاز معقول في ظل ما نعاني.
في حقيقة الأمر (وإن بدا ذلك تشاؤما) لم يعد بإمكان الجيش الحر والمعتدلين خوض معارك مؤثرة ضد النظام، لا سيما أن أطرافهم في إدلب قد قطعت بسيوف "النصرة" وشركائها، وبات من الجيد الاحتفاظ بما تبقى لديه من الجغرافية بانتظار المجهول.
الفصائل الإسلامية هي التي تستطيع تهديد الأسد ومهاجمته، لكنها حتى الآن تبدو وكأنها رضيت بحدود نفوذها وإماراتها بالتوافق.
بقي أمر يمكن أن يحدث فارقا على الساحة، يتمثل بما يمكن أن تقوم به إدارة ترامب، فبناء على تصريحات الرئيس في حملته الانتخابية وتلك التي أصدرها بعد وصوله للبيت الأبيض قد يفعل شيئا ما يقصقص أجنحة إيران وميليشياتها في سوريا، ويرسم حدودا واضحة للتدخل الروسي، لعلّ هذا آخر ما تبقى للسوري المقهور، لأن مؤشرات "جنيف" ليست بأفضل من "أستانة".
عبد السلام حاج بكري - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية