الله.. سورية.. بشار وبس*

هو ذاته، الجمهور الذي هتف في منتصف ثمانينيات القرن الماضي "يلعن بيو يلعن أمو يلعن خالو يلعن عمو" حمل بالأمس لافتة "الله.. سورية.. بشار وبس".
الحدث: مباراة حطين وتشرين.
المكان: ملعب الباسل (البلدي سابقا) في اللاذقية.
الجمهور: كبير، يملأ الملعب.
النتيجة: التعادل، كما قررتها القيادة "الحكيمة" ضمانة لاستمرار الصمت.
للمرة الأولى منذ بداية الثورة، سمح النظام بإقامة مباراة فريقي حطين وتشرين في مدينة اللاذقية بحضور الجمهور بعد إعداد استمر شهورا لإخراجها بالصورة التي وصلت تماما.
كل فريق يمثل من وجهة نظر المتابعين طائفة، فحطين سنّي وتشرين علوي، رغم أن الحقيقة غير ذلك، حيث يمتزج كل فريق وجمهوره باللون الآخر، ولكن بعيدا عن دقة التقسيم، فعل الفريقان ما أراده النظام، حملا رايات التمجيد ولافتات الولاء، ونقلت الشاشات ذلك.
فواز جميل الأسد، وكان الرئيس الفخري الأبدي لنادي تشرين، طالما قرر قبل مباريات الفريقين نتيجتها بالتعاون مع الحكام ترهيبا أو ترغيبا، وطالما حاول بزعرنته وطائفيته استفزاز جمهور حطين، حتى شتموه مع الأسرة الكريمة عندما حمل بندقيته وجال الملعب في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
شتائم جمهور حطين ذلك اليوم للأسرة الكريمة من الجدّ إلى الولد خرجت من عمق ألم ممتد وقهر متراكم، بدا أكثر وضوحا في مباراة الأمس، برؤوس منكّسة، وابتسامات حاولت إخفاء حقيقة الذلّ بالبلاهة.
الإخراج المثالي لمباراة الأمس كان أبطاله دمى كأنها تتحرك بالريموت كونترول، فريقان دخلا الملعب بأيد متماسكة كأنها مشدودة بقيود، وجمهور حمل صورا للقائد، لم يحركها حتى بدت كأنها مسمّرة إلى جسده، وحكام أطلقوا الصفارة ورفعوا رايات التماس لإكمال أركان المشهد ليس إلا، وبدت الكرة وكأنها تبحث عن قدم تركلها بجدية.
ليس فيلما خياليا ذلك الذي عرضه النظام على العالم، ونقلت مقتطفات منه أهم الشاشات، ولعلّه دفع مقابل ذلك الكثير، نعم إن من حمل صورة القائد الملهم أمس هو ذاته من شتمه من قبل في المكان ذاته، وخرج مطالبا بإسقاطه من أحياء الصليبة والسكنتوري والرمل الجنوبي والمارتقلا والشيخضاهر في بداية الثورة.
بشار يقول للكون: إنهم يحبّوني، ولا مانع أن تصل الرسالة على حقيقتها، فتعزّز فكرة بشار الخيار الوحيد الذي اقتنع به حتى ألد الأعداء.
رغم أن الإكراه كان سمة الأداء المتقن إلا أن الجميع.. أنصار الأسد وأعداؤه سئموا الحرب، وعانوا من انعكاساتها على حياتهم، وربما لو تُركوا على سجيتهم لخرجت المباراة بالنتيجة ذاتها التي أرادها معدّوها، فهم يريدون متنفّسا يبعدهم هنيهات عن ألم نخر حياتهم.
هناك مليون سبب يدفع حتى حاضنة النظام لشتم الأسد والعمل على إسقاطه، لكن أسبابا كثيرة وفي مقدمتها الرغبة الدولية بإبقاء الوضع على ما هو عليه، جعل الناس تشعر باليأس وترضى بأن تتابع مباراة الأمس دون الالتفات إلى معانيها والهدف من الاهتمام الزائد بها.
جماهير مباراة الأمس، مغلوبون على أمرهم، يجهدون لتأمين بضع ليترات من المازوت لتدفئة منازلهم، وعمل إضافي يوفر ثمن خبزهم، والأهم يبحثون عن ثغرة تأخذهم من جراحهم وذكريات من يحبون ممن خسروا من أقربائهم على مذبحي الحرية والأسد.
إنها صورة مصغّرة عن حال السوريين في مناطق النظام والمعارضة، تعب الجميع، وباتوا على استعداد للقبول بحلول ما كانوا ليرضوا بها من قبل، ومن يحاول أن يدّعي غير ذلك فإما هو حالم أكثر مما يجب أو مستفيد مما يجري.
لم ولن ينتصر الأسد، وهو بمباراة الأمس حاول إقناع نفسه أولا بأن هناك من لا يزال يريده، لقد خسر الجميع، ولعلّ الأسد أكبر الخاسرين لأنه عندما يزول لن يبقى هناك أسد، أما تلك الجماهير فمهما غاب منها سيبقى الكثير والكثير الذي سيعيش دون ذلك الأسد الزائل.
*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية