من يعرف ميس كريدي عن قرب يدرك كم التناقض في شخص امرأة خرجت مع بداية الحراك تلبس الحجاب وتهتف بالمظاهرات التي تدعو لإسقاط بشار الأسد، وكيف لها أن تغلغلت في صفوف الناشطين والإعلاميين واستضافتهم في بيتها بجرمانا، ومن ثم غادرت البلاد بعد استدعائها من المخابرات أكثر من مرة كما تروي هي، وتهديدها في وظيفتها (مدرّسة)، ومن ثم استقالتها من هيئة التنسيق بعد أن كانت نائبة المنسق حسن عبد العظيم.
في مصر أعلنت مع محمود مرعي (صاحب فيلم البورنو) عن تشكيل هيئة العمل الوطني، ومن ثم غادرت إلى الأردن وتركيا، وهناك اصطدمت بالكثيرين مما اضطرها للعودة إلى سورية بسيارة السفير الروسي لتبدأ مرحلة جديدة شكلاً ومضموناً من المجاهرة بانتقاد الثورة، والتنسيق مع النظام كثمن لعودتها، وصناعة منصات معارضة جديدة أهمها (منصة حميميم) وبعض لتشكيلات النسوية المعارضة.
في منشور أخير لها على الفيسبوك تقول كريدي: (نريد أن نكون سوريين..وليس شبيحة)، وهي تقارب بين مفهومها للوطن والمعارضة، وترضي بهذا الكلام طرفي الصراع رغم عدم انتمائها فعلياً لهما فهي تعمل على مشروع ذاتي، وإن عملت بانتهازية واضحة لصالح النظام بالتعاون مع الروس، ولا تخجل من الحديث عن صداقتها مع (بوغدانوف) نائب وزير الخارجية الروسي، وهو ما يجعل الكثير ممن يعرفها يستعربون سر وصول امرأة ككريدي ليست على قدر من الجمال كرندا قسيس، ولا من التفوه وليس له أي منجز فكري، وتكاد تكون مجهولة بالنسبة للوسط الثقافي والسياسي السوري قبل الثورة.
لم تتم دعوة ميس كريدي إلى الاجتماع الأخير في جنيف، وهذا ما أدى إلى اختلاف خطابها في الأيام القليلة الأخيرة، وهذا ما تم توجيهه لها من قبل مقربين من النظام ممن كان يرون فيها فائدة حتى من باب كونها معارضة.
كتبت منذ يومين: (نعم النظام ظالم والسلطة استبدادية في سورية...لا يمكن لأحد أن ينكر أخطاء النظام السوري والظلم والقهر الذي رزح تحته السوريين باستثناء مجموعة الشطار المحيطين بالنظام ولا يمكن إنكار أعداد المعتقلين والرشاوى في الأمن ومحاكم الإرهاب سواء كان بريئا أو لم يكن..ولا يمكن إنكار أخطاء من الطرفين ارتكبت وبسفور القسوة والاستبداد والاستعباد..ولا يمكن أن ننسى مجموعة الفاسدين الناشئين في فروع الأمن كيف انتقلوا من مخبرين برتبة مسؤولين في سورية إلى معارضين برتبة مخبرين دوليين..الظلم في سورية كان مكشوف الوجه والتشبيح لا يلغيه..وإنما إرادة السوريين ببناء وطن للسوريين).
بالضبط هذا المنشور يلخص لعبة كريدي على حبال المخابرات لتحجز كرسياً لها مضموناً من الروس وبرضا النظام، وبنفس الوقت القول بأنها معارضة من صنف أقل سوءا من قدري جميل وجمال سليمان شركاء المنصات والحدائق الأمنية الخلفية.
تروي ميس كريدي أنها قالت يوماً للمبعوث الأممي دي مستورا:"لماذا تعتقد أننا متمسكين بالجيش كمؤسسة وطنية؟ (مع معرفتنا بكل الأخطاء والعثرات) ...والجواب ستعرفونه من خلال التعامل مع الحياة اليومية في سورية .... بسبب جيش الزعران الجاهز لتدمير البلد في حال انهيار الجيش ومؤسسات الدولة".
"جيش الزعران" رسالة مزدوجة من ميس كريدي للشبيحة وللمعارضة فيما توجه رسالتها الكبرى للنظام الذي يتغنى بجيش الوطن الذي يضم كل مرتزقة العالم وهذا ما تعرفه كريدي أكثر من سواها فما يربطها بالجيش أقرب الناس لها.
على الصعيد الشخصي ميس كريدي من بيئة درزية ليست منفتحة كما تدعي فرغم ما تتحدث به عن تربيتها الشيوعية فهي من بيئة محافظة ولها اعتباراتها الطائفية والاجتماعية، وقد أثارت صورها مع الشيخ نواف الملحم سخط محيطها العائلي والاجتماعي.
أخيراً فتح لها مجال العمل في الصحافة بشكل كبير وكانت لها سوابق في الكتابة الصحفية في بعض الصحف الخاصة ولكنها لم تكن ذات أهمية أو تميز، وفرصتها الآن في "صاحبة الجلالة" التي يرأس تحريرها عبد الفتاح العوض هي تبادل منافع في كونها محسوبة على (معارضة الداخل) وفرصة لها أن تضيف إلى ملفها الشخصي صفة صحفية، وباتت في الفترة الأخيرة تتحدث عن مشاريع أدبية وفكرية تحضّر لها.
قصة ميس كريدي مع الثورة يمكن أن تكون مثالاً واضحاً لاختراقات كبرى أطاحت بمشروعها السياسي، وفي الطرف الآخر أيضاً بنى النظام منصات نسوية، وصنع أديبات وشاعرات كنا يتمنين أن يحضرن ندوة أحد المراكز الثقافية..من هنا لا بد من إعادة الاعتبار لأولئك المخلصين الغائبين عن المشهد.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية