"الموت ولا المذلة" تضع سياسيي حوران في وضع "الصامت الرجّاج"*

لم ينتظر أحد من الجنوب أن يعود إلى صرخته الأولى، مبادراً بمعركة "الموت ولا المذلّة"، ذلك الشعار الخالد الذي انطلق من درعا البلد يوم 18 آذار/2011، ثم عاد بالرصاص بعد ست سنوات وفي درعا البلد بالذات.
راجعت قائمة الثوار الذين استشهدوا في الأيام الثلاثة الأولى من المعركة، جميعهم يحملون أسماء عائلات درعا البلد، المحاميد، أبازيد، المصري، الفالوجي، جميعهم ولدوا على الأرض التي يقاتلون من أجلها، صعاب المراس أشدّاء، وليس من قانون في الأرض يحرمهم حقّهم في استعادة بيوتهم وأرضيهم وذاكرتهم.
قبل يوم من المعركة تلقيت اتصالاً من صديق طلب مني أن أتدخل بكلمة صوتية لشرح مخاطر خوض معركة تقودها جبهة النصرة في درعا البلد، قلت في رسالتي إن أي معركة وراء فصيل مصنّف دولياً على قائمة المطلوبة رؤوسهم هو انتحار، وقلت إن المعركة إن كانت واجبة، فهي استعادة ما تبقى من أولاد حوران في صفوف تلك الجهات، وكنت أعلم مدى انحسار جبهة النصرة في حوران، ومدى رفض الأهالي لوجود مجموعة أخرى تبايع تنظيم الدولة في حوض اليرموك، تطلق على نفسها اسم جيش خالد بن الوليد، وتدير ظهرها لمثلث الموت حيث يتواجد الإيرانيون وميليشياتهم، وتقطع رؤوس أبناء الجنوب وتغتالهم باسم الدّين.
تابعت المعركة فيما بعد، وعرفت أنها ليست معركة فصائل متشدّدة، وأدركت أنها معركة خارج سياق كلّ ما يجري في المنطقة، وعلى المستويين الإقليمي والدولي.
أكون سعيداً في هذه اللحظة لو قبل الذين وصلتهم رسالتي الاعتذار على رؤوس الأشهاد، لأنني أقلّ إلماماً بحقيقة الأمر، مع معرفتي بمعدن الرجال هناك، وأكون سعيداً أكثر لو فهموا الرسالة لا لكوني الشخص الذي يصلح لتوجيه رسائل لرجال يبذلون أرواحهم، ولكن لحرصي وفهمي بأن العالم يتاجر بالسوريين.
معركة "الموت ولا المذلة" تقع على بعد أيام من مؤتمر جنيف، كما تقع على بعد شهر واحد من ذكرى الثورة، وعلى بعد رصاصة أو مسمار أخير في نعش تلك الثورة كما يشتهي لها الضعفاء والأعداء.
ولعلّي أزيد على ما أسلفت استغراباً من "وضعية الصامت الرجّاج" لقياديين في الائتلاف وهيئة التفاوض ووفد جنيف، إذ توجد "دزّينة" من أبناء حوران في تلك "المنصّات"، لكن، هل يعرف هؤلاء طريق العودة إلى درعا.
ربما تفاجأت كغيري بحجم التخطيط والتكتّم والتحضير للمعركة رغم أنّ من بدأها هو الخصم، لكنّ مفاجأتي أكبر بشيئين اثنين، الأول مستوى الصمت المطبق في تقييم ما يجري على الأرض من قبل الأميركيين وقوى إقليمية منخرطة في الشأن السوري وتقول إنها تدعم فصائل الجنوب، وهذا دليل على أنّ التفاهمات القائمة غير ناجزة، وأنّ حالة خوف تغلّف المشهد السياسي مع تقدّم إدارة ترامب التي يفترض أن تقوم بجردة حساب مع حلفائها حول ما فعلوه فترة غيابها المؤقت.
الأمر المفاجئ الآخر هو تشكّل حزب داخل الثورة يريد قتال النظام على "فيسبوك"، ويرفض "ذات الشوكة" بحجة المدنيين، وكأن مدنيي سوريا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام يعيشون وضعاً طبيعياً، غير أن هذا الحزب يمكن فهم مبرراته خصوصاً بعد فترة طويلة من الجمود أنتجت كتلة من المترددين أو حتى المنهكين، لكن لا يمكن اعتبار هؤلاء طليعة يمكنها سوق الشارع وتغيير مزاجه العميق.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية