أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ميريديان صيدنايا.. عبد السلام حاج بكري*

الكاتب: حوّل الأسد كل سوريا إلى صيدنايا

رقم 13000هو مسخ للرقم الحقيقي لعدد الذين قضوا في سجن صيدنايا منذ بداية الثورة، فالرقم قد يكون أضعاف هذا، غالبية هؤلاء عرضوا على محاكم شكلية ونالوا احكاما ونفذ الإعدام بمختلف أشكاله بهم، جزء منهم قضى تحت التعذيب.

حالة مختلفة كليا جرت وتجري في فروع 215 و227 و555 و"المنطقة" و"السرية" والمخابرات الجوية والأمن العسكري، حيث يموت السوري الحر هنا بمرض الجرب أو الإسهال العارض، يموت "بلبطة" على رأسه من سفاح حاقد أو دود عشش في جراحه.

قد تكون الميتات هذه بسيطة وسلسة إذا ما قورنت بما يتعرض له المعتقل في سجون القهر على يد الحاقدين كل يوم، ويتكرر المشهد اليومي حتى موعد الموت.

دخل بهاء شابا يافعا يزن 90 كيلو جراما، أمضى شهورا قليلة، مات فيها عشرات المرات قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي عمه في الفرع 215 على وزن لا يتجاوز 30 كيلو غراما، وكان من الصعب على عمه التعرف إليه لولا أن بهاء بادره بالسلام وعرفه عن نفسه، وقد تحوّل غصنا أسود محروقا نتيجة إسهال أصابه منذ شهر، لم يفارقه وذهب به.

عمّ بهاء أكد أن ما بين 20 و40 شهيدا يسقطون يوميا، وما يعادله في كل فرع من الفروع الأمنية، وهذا ما يجعل صيدنايا فندقا مرصعا بالنجوم مقارنة بها.

كل شهيد سقط في صيدنايا أو في مكان آخر يساوي كل ديكتاتوريات الأرض وكراسي العالم، إلا عند الأسد فالمعادلة مقلوبة، وكذلك الأمر عند كل من وقف معه وشارك في ضرب معتقل أو إزهاق روحه.

حوّل الأسد كل سوريا إلى صيدنايا و215 ولكن الأعداد خارجها قد تتجاوز عشرة أضعاف، كان الأسد على الدوام من الأب إلى الابن عدواً لمفهوم الحرية، أزهق في سبيل محاربته كل من وصل إليهم من طالبيه.

كان صيدنايا الذي أكدت "أمنيستي" سقوط 13 ألف معتقل فيه حلم نزلاء المعتقلات الأخرى، إنه الروضة التي تحمل لهم الأمل في النجاة، فأكثر المحوّلين إليه تكتب لهم حياة ما، ونسبة الموت أقل من معتقلات الفروع الأخرى.

أي ألم هذا.. صيدنايا حلم!! يدفع الميسورون من المعتقلين في فروع الأمن وأقبية التحقيق مليون ليرة من أجل تحويله إلى "ميريديان صيدنايا" عندما كان الدولار يعادل 50 ليرة سورية فقط.

أيا كان الحال في صيدنايا أو في بقية الفروع فهذا ما أخرجته "أمنيستي"، وشاهد العالم بعضه أيضا من خلال صور "قيصر".

الملحق المفترض إنسانيا بما توفر من معلومات هو العمل المؤسساتي الدولي لمحاكمة المجرم، وقد تكون أجدى الخطوات نظريا هي إقرار ذلك في مجلس الأمن شريطة ضمان حياد الجانب الروسي وهذا مستبعد، البديل والحال هذه تحرك منظمات حقوق الإنسان المحلية والعربية والدولية وإقامة دعاوى في المحاكم الجنائية الدولية وجرائم الحرب، ورفعها أيضا في الدول التي تسمح بمحاكمة أشخاص من خارج حدودها.

ولكن يبدو أنه ليس للسوري إلا الريح، فلو كانت هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والعربية راغبة (أو مسموحا لها) بمحاكمة المجرم، لفعلت، لكنها تمشي مع النسق الدولي الذي غضّ الطرف عن كل إجرام الأسد (رغم نصاعته) المتنقل بين البراميل العمياء والكيماوي الفتاك والباليستي المحرم دوليا وغيره.
ليس للسوري خارج المعتقلات وداخلها إلا الريح، وهو يحصد الجفاف والقهر، فيما قاتله مؤزّر برعاية القطب الدولي روسيا، والفيضان الطائفي الإيراني، والإغماض المتعمد الأمريكي، والعجز الأوروبي، والمصالح الخليجية.

من المفارقات أن النظام نفسه فكّر يوما بتحويل سجن صيدنايا إلى فندق مصنف دوليا، وهو الفندق الحلم حقيقة لكل معتقل في ظلام فروع النظام.

* من كتاب "زمان الوصل"
(141)    هل أعجبتك المقالة (135)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي