أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فياغرا.. حسين الزعبي*

أرشيف

أشياء قليلة من المرحلة الابتدائية مازالت عالقة بأطراف الذاكرة شبه المعطوبة، فبالإضافة إلى الساحة الكبيرة والمقاعد التي تحوي كل أنواع الشخبطات، ومعلمة الصف الرابع وصال محاميد فائقة الجمال، مازال مشهد العلم الذي يعلو سطح المدرسة ماثلا أمامي.

الحقيقة لا شيء كان يوحي بأنه علم إلا مكانه، فالقماش مهترئ بطريقة لئيمة فالأحمر منزوع من الأبيض والأبيض من الأسود. أما الألوان فليست بأحسن حال، الأحمر كان زهريا، والأبيض بني والأسود رمادي، والنجوم آفلة.

أسباب كثيرة هي تلك التي تجعل علم بلد ما محل احترام، قد يكون منها وأولها أهل ذلك البلد، وقد يكون أيضا منها أن يمثل هذا العلم التاريخ الحقيقي للشعب، وأنا لا يرتبط بحقبة بعينها، وبحاكم بعينه، وأن يرتفع في ساحات النصر.

وقد يضاف لذلك أسباب أخرى ترتبط بثقافة الشعب وطبيعة انتمائه ونظرته إلى دولته - التي يشكل العلم رمزها الأول- كإطار يحمي ويحفظ حقوقه، لا أن تكون أبواب مؤسساتها التي يرتفع فوقها العلم أبواب سرقة وقمع وقتل، فلا يمكن لمن ذاق ويلات التعذيب تحت هذا العلم وباسمه أن يفخر به يوما.

ولا يمكن لمن أدى خدمة العلم -مصنع الرجال- وهو يستمع للقاعدة العسكرية الذهبية في الجيش العربي السوري (اعتز بنفسك يا ابني يا حمار) أن يمتلك أدنى شعور نفسي راقي تجاه العلم، بل تجاه الدولة برمتها.

تروي المصادر إن أول علم عرفته البشرية هو ذاك الذي رفعه أهل القائد الشعبي القفقاسي (مارج)، إذ تقول الأسطورة إن أحد قادة القفقاس قاتل لوحده فرقة من الأعداء حتى قتل، ولما وصل قومه بعد بلوغهم نبأ القتال، وجدوه قتيلا ملطخا بالدم، فأخذ رفاقه قميصه الملطخ بالدم، وكان أبيض فخالطه لون الدم الأحمر، وعلقوه على رأس رمح، ولحقوا بالأعداء إلى عقر دارهم، وانتقموا لبطلهم الوطني.

ويزعم القفقاسيون أنهم وبعد تلك الحادثة كانوا يضطرون لأن يصبغوا علمهم بجزء من دمهم كلما أرادوا رفع راية لهم في المعارك والمناسبات والاحتفالات وغيرها، بعد أن أضافوا إليه فيما بعد اللون الأزرق الذي يرمز للبحر والسماء. 

ومن القفقاس نعود إلى سوريا التي ابتليت لعقود بلعنة القائد الرمز، ومازالت تعيش صراع رموز وأعلام ورايات تستحضر كل شيء من الماضي والحاضر، باستثناء الوطن الذبيح من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.

كنا وخلال شهور طهرانية الثورة، نترقب توحد هذا الفصيل مع ذاك، حتى لو كان هذا الفصيل عبارة عن خمسة أشخاص، فلا هواجس كانت بشأن الانتماءات، هي ثورة معروفة الأهداف في وطن معروف المساحة والانتماء والعلم أيضا، أما الآن فبتنا نستعيذ من شياطين "الاندماجات" التي باتت تمثل بابا جديدا لسفك دم السوريين الأبرياء.. 

العلم الذي كان ملقى كجثة على السارية (عمود طوله متر ونصف المتر) فوق مدرستنا الابتدائية، والذي كان بحاجة لهبوب لرياح مربعانية حتى يرتفع، قد يكون أفضل بمئات المرات من الأعلام المرتفعة بفعل "فياغرا" تحمل منشطات من كل الأنواع باستثناء منشط "الوطن".

* من كتاب "زمان الوصل"
(240)    هل أعجبتك المقالة (194)

محمد علي

2017-02-08

شكرا استاذ حسين ،،، اود ان اقترح التعليق و كتابة مقال عن كتاب " العرب من وجهه نظر يابانيه " لكاتب ياباني بروفيسور نوبواكي نوتوهارا - كاتب و مترجم و استاذ جامعي ياباني. عاش بين العرب 40 عاما و في 2003 كتب الكتاب المذكو ر يتحدث فيه عن انطباعاته عن العرب و التي تلخص كثيرا من الواقع العربي ،،، بعضها : العرب متدينون جدا و فاسدون جدا - في مجتمع كمجتمعنا الياباني نضيف حقائق جديده بينما يكتفي العربي باستعادة الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد.- مشكلة العرب انهم يعتقدون ان الدين اعطاهم كل العلم ! - اول ما اكتشف في المجتمع العربي هو غياب العداله الاجتماعية و هذا يعني المبداء الاساسي الذي يعتمد عليه الناس.... مما يؤدي الى الفوضى. و اهم ما كتبه : السجناء السياسيون في البلاد العربيه ضحوا من اجل الشعب، ولكن الشعب نفسه يضحي باولائك الشجعان ، انعدام حس المسؤليه طاغ في مجتمعاتهم. ايضا : ولازال العرب يستخدمون القمع و التهديد و الضرب خلال التعليم، و يسالون متى بداء القمع ؟. لخص ابن سينا الكتاب من مئات السنين حين قال " بلينا بقوم يظنون ان الله لم يهدي الا سواهم "..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي