أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مَخرَجٌ للطائفة الكريمة أم للسوريين؟*

أرشيف

مهم أن تقرؤوا ما قاله لي رجل ثمانيني من جبل الأكراد بريف اللاذقية، حيث قريتي، عندما سألته بعد ست سنوات من عمر الثورة عما يجب علينا فعله مع شركائنا في الوطن من الطائفة العلوية.

قال بعد ضحكة ساخرة: "أول شي مانكم قادرين تعملوا معهم شي، تاني شي مين اللي عم يقتل التاني انتو ولا هن، بكل الأحوال، إذا يوما ما قدرتو تعملوا شي اقلبوا الصفحة وانسوا".

كلام الحاج "أبو صطيف" باللهجة العامية نقلتُه حرفيا لثقتي بأنه مفهوم ولا يحتاج لشرح المفردات، أما ما اقترحه لكيفية التعامل مع الشركاء في الوطن فهو محلّ أخذ ورد، وأتوقع أن الغالبية لا توافقه الاقتراح.

رغم أن أبا رشاد لم يخالفه تمام المخالفة سوى فترة قصيرة أعقبت قتل النظام لطفليه حسيب وزهراء، وقد توعد خلالها بقتل أطفال أبناء الطائفة الكريمة أسوة بما فعله آباؤهم مع طفليه، إلا أنه حافظ على حيز للاختلاف مع أبي صطيف حيث طالب بإقامة العدالة.

"التسامح المطلق غير مجد، ويجب أن يحصل التسامح عقب إقرار العدالة واستيفاء الحقوق"، هذه خلاصة ندوة فلسفية عقدت في دمشق قبل الثورة وكان محورها موضوع التسامح، وشارك فيها كبار أساتذة الفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة دمشق.

أما وقد استمرت الغالبية العظمى من أبناء الطائفة الكريمة بالولاء للديكتاتور ومشاركته قتل السوريين، فتبدو خيارات التعامل معهم يوما ما عندما تحطّ الحرب أوزارها محدودة جدا.

الحلّ الذي سيوضع للحالة السورية سيحاول حماية الطائفة تحت شعار حماية الأقليات، ولكن فيما قرأت وفيما سمعت وشاهدت والأهم كان من خلال اللقاءات المباشرة، وجدت أن السوريين ينظرون للتعامل مع الطائفة العلوية بغض النظر عما ستفرضه الحلول محصور بثلاثة آراء.

الأول يطالب بإبادتهم أسوة بما فعلوه مع ما يقارب مليون سوري حتى الآن، وعقابا لهم على تدمير سوريا وتهجير نصف سكانها، ويشمل ذلك القهر الذي مارسوه عليهم خلال نصف قرن.

الثاني متعقّل، يرى بضرورة إقامة العدالة ومحاكمة كل من أمر وشارك ونفّذ، ولو اقتضى الأمر محاكمة كل أبناء الطائفة، ويبدو هذا الرأي متوازنا حيث يطالب بمحاكمة كل المشاركين بالإجرام من كل الطوائف بطرفي النظام والمعارضة، وهناك رأي للبعض قريب من هذا، يقوم على أن العدالة الانتقالية قد تكون الأنسب للحالة السورية.

أما الرأي الثالث فهو ما طالب به الحاج أبو صطيف بضرورة "قلب الصفحة" ونسيان كل شيء والتسامح الذي قال مفكرون بأنه لا يكون إلا بعد إقامة العدالة واستيفاء الحقوق.

كثير من الأسئلة تطرح عند الحديث في القضية، أهمها: أليس السوريون هم من يجب أن يسألوا عن المخرج المخلّص من اضطهاد وإجرام الطائفة الكريمة؟ السؤال يأتي اعتمادا على أن الضحية هو من يطلب المخرج والخلاص من يد الجلاد.

وسؤال معاكس تقريبا، ألا يجب أن نحتوي أبناء الطائفة وقد عشنا معا مئات السنين؟ يرافقه سؤال منطقي، هل هم يريدوننا أساسا ويقبلون بنا؟ ويردف بجواب المقهورين، "لو كانوا يقبلون بنا لما قتلونا، وكان كل ما نريده مجرد مساواة معهم وعدالة". 

من الصعب بمكان الجزم بكيفية تعامل السوريين مع شركائهم في الوطن بعد كل ما جرى، والذي يبدو أكثر واقعية أن لا نمطا واحدا من التعامل سوف يسود، بل ستكون هناك تعددية بطرائق التعامل، وكلٌ سيتصرف حسب ما يرى، ولن تعيش الطائفة استقرارا خلال فترة قصيرة حتى لو دخلت قوات دولية تعزلها عن بقية السوريين.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(157)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي