أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بسام كوسا يقتل.."نصّار ابن عريبي" بالكذب*

بسام كوسا - أرشيف

قد يكون كلاماً قاسياً ما قاله الفنان عبد القادر المنلا رداً على اللقاء الأخير لبسام كوسا على شاشة تلفزيون النظام عندما قارب بين الوطن وأمه، ولكنها الحقيقة القاسية قيلت كما يجب أن تقال، فواقع الوطن الأم أشبه بالمغتصبة التي لا يمكن أن تكون بلحظة ما أماً طبيعية بعدما تتعرض لكل هذا الكم من الاحتلالات والخراب.

سورية الأم لا يمكن أن تكون صورة في الخيال يراها الفنان من داخل استديو التصوير فقط، لذلك خرج الفنانون الذين عايشوا انتفاضة الشعب وجريمة النظام ليصرخوا، وعندما كمم النظام الأفواه كان لا بد من الصراخ في أي مكان يمكن أن يكون فيه للصوت معنى، وأما أن يتهم من خرج من وطنه إكراهاً بالخيانة فهذا مشروع النظام، وأن تترك وطنك هذا لا يعني أنك تخليت عن صرخته وألمه.

بسام كوسا الفنان الأكثر حضوراً (قبل الثورة) في عقول السوريين وقلوبهم لم يعد كذلك، على الأقل يرى البعض أن صمته والتفافه في عدم إبداء موقف واضح مما يجري في وطنه ليس الدور المنوط بفنان كبير، وابن بلد صنع جزءا من ذاكرة السوري عن صاحب النخوة (نصار ابن عريبي) وظلت كلماته عن الشام والشهادة والثورة صدى في قلوب محبيه.

بعيداً عن دور الفنان وصف كثيرون تخاذل كوسا بالخيانة ووصمة عار في تاريخه، وأن كل ما قدمه لم يكن عن انتماء خالص، بل مجرد تمثيل استمر للأسف على أرض الواقع عندما تطلب الموقف واقعية تستند إلى معاناة الشعب ودمائه المهدورة.

في اللقاء الأخير كانت إجابات بسام كوسا مائعة وهاربة، ومسروقة من سيناريو مسلسل يؤديه الرجل (الوطن ليس فندقا نتركه عندما تسوء الخدمة)، وهل كانت الثورة مجرد سخط على سوء إدارة النظام لخدمات الكهرباء والهاتف والنظافة والضرائب، أم أنها هبة شعب على نظام قاتل وديكتاتور مريض ورث الصلف والبطش عن والده ومجموعة القتلة الذين أداروا البلاد بالحديد والنار.

(اجاني دعوات كتير من دول، شكرتن وقلت راح أظل هون وما يجري للناس يجري علي... هدا البلد أنا عشت فيه، يا بنموت سوا يا بنزبط سوا)...لا يكذب كوسا هنا إلا في نقطة واحدة هي أنه لم يعش في الوطن كمواطن سوري بل كفرد له عوالم خاصة لا يسمع منها أصوات القصف بالبراميل، أو صوت الطائرات التي تقصف على بعد كيلو مترات قليلة من بيته، وأن ما يجري للناس يجري عليه...وهذه قد تصح في انقطاع الكهرباء لا في بدائلها المتوفرة لدى كوسا وأمثاله.

يأتي بسام كوسا بعد قليل في إجاباته على أسئلة المذيعة إلى الحد الذي قد يقسو عليه مقربون منه وإن اختاروا طريقاً مناقضاً...يرسم كوسا صورة للوطن هي الأكثر قرباً من شعور السوريين المفجوعين: (إذا أمي مرضت ما بتركها وبمشي، لما بتمرض البلد ما بحمل حالي وبمشي، لا يمكن واحد أمه تمرض يكبها (يرميها) ويدير ظهره ويمشي بهديك اللحظة)...في لحظة تكتشف الكذب المستند إلى هوامش إنسانية غير صادقة لدى الرجل، أو أنه يعيش في زنزانة يحاول إقناع نفسه أنها واحة حرية.

أمهات السوريات مرضن وقتلن وشاهدن أطفالهن وأزواجهم مقطعي الأوصال، ومخنوقين بالغاز على مسافة ليست بعيدة من أمه، ولم يرم السوريون أمهاتهم، بل خرجوا للدفاع عنهن، وعن شكل الوطن المغتصب بإرهاب الأجهزة الأمنية، منذ أول الرصاص المسلط على أجساد أمهات بانياس إلى كل النسوة المقطعات الأوصال في حلب الشرقية، والصرخات المجنونة للباحثات عن أوصال صغارهن على طول الأرض السورية.

بسام كوسا ليس سوى فنان أحبه السوريون ثم قتلوه في قلوبهم عندما صمت عن قتلهم، وهو في اللقاء الأخير يجهز على ما بقي منه على قيد الحياة.

*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
(500)    هل أعجبتك المقالة (452)

Ahmad

2017-02-03

انتم تعطونه حجما وأهمية أكثر مما يستحق.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي