ذات يوم من مطلع عام 2013 تحول سجن حلب المركزي إلى ثكنة عسكرية وبخاصة بعد بدء الانهيارات العسكرية للنظام وسقوط الحواجز المجاورة للسجن، فتم تجميع بقايا الحواجز والنقاط العسكرية في السجن الذي كان يضم حينها أكثر من 650 عنصراً وضابطاً من مختلف الاختصاصات، وحوالي 2800 سجين منهم 235 سجيناً سياسياً. وتحول السجن آنذاك إلى مأوى للضباط والعناصر الفارين من مدرسة المشاة بعد تحريرها على يد الجيش الحر الذي دخل المدينة في الشهر السابع من عام 2012 ليحكم سيطرته على السجن مطلع العام 2013.
وروى معتقل سابق في سجن حلب المركزي تفاصيل عايشها داخل السجن قبل فك الحصار عنه من قبل قوات النظام وممارستها لكافة أشكال الإهانات والإذلال والجوع ومنع خروج السجناء المنتهية مدة حكمهم.
وأكد "أبو حسن الحلبي" لـ"زمان الوصل" أن الطعام نفد من السجن في شهر آذار مارس من عام 2013، كما نفد الدخان وتم قطع الكهرباء وكانت المياه شبه معدومة لأكثر من 4 أيام أحياناً، ولكن المساجين -كما يقول– كانوا يحتاطون للأمر ويعبّئون المياه بعبوات بلاستيكية أو أوانٍ أثناء توفرها ولم يبقَ سوى الطحين الذي كان يتم توزيعه على المعتقلين بمقدار حجم كأس مياه لكل معتقل ليصار إلى خبزه داخل الغرف وكان المعتقلون يشعلون النار داخل الغرف من أجل الخبز بواسطة بقايا الألبسة والأواني البلاستيكية وصولا لبعض الألبسة وحتى الأغطية.
كان المعتقلون، بحسب الحلبي، يأملون بتحرير السجن الموعود على يد الجيش الحر تلك الفترة، لكن أملهم طال وبدا بعيد المنال، وذات يوم لاحظ السجناء غياب كافة العناصر السنية من الشرطة والضباط "لم نعد نرى منهم إلا عنصرين فقط مسؤولين عن القلم والذاتية إلى أن تم تسريب خبر اعتقالهم داخل السجن المركزي بالمنفردات وتصدّر المشهد عسكرياً وأمنياً نقيب شرطة يُدعى "أيهم الحسن" ويساعده نقيب آخر يُدعى "جلال"، وتمكن "الحسن" وعناصره من السيطرة على السجن بعد زج كافة الضباط بالعزل الانفرادي وخاصة السنة ولم يبق –حسب الحلبي- أي عنصر أو ضابط سني طليقاً بمن فيهم 3 ضباط شرطة أعلى منه رتبة، وفي تلك الفترة كما يقول الحلبي كان السجن يضم عدداً من النزلاء الموقوفين من عناصر وضباط من كافة التشكيلات المسلحة التي كانت قريبة من موقع السجن.
وأقدم النقيب أيهم -كما يؤكد محدثنا-على تصفية 64 سجيناً جزائياً في يوم واحد ممن دبروا محاولة السيطرة على السجن بالداخل.
ويستعيد "الحلبي" تفاصيل ما جرى في الشهر السابع من عام 2013 داخل سجن حلب المركزي، حيث نفّذ بعض المعتقلين استعصاء مسلحا، فتم تصفية غالبيتهم بالضرب المبرح بأدوات معدنية صلبة على منطقة الرأس والأضلاع، وما بين الفخذين أمام بعض الغرف التي تضم نزلاء وهناك 8 سجناء، وهم المخططون لعملية الاستعصاء ممن تم الاعتراف عليهم من خلال تعذيب سجناء آخرين تمت تصفيتهم بإطلاق النار على رؤوسهم.
وأضاف محدثنا، الذي كان شاهداً على تصفية نزلاء السجن بدم بارد إن عمليات القتل والضرب حتى الموت كان متقصداً أمام نزلاء السجن لإرهابهم وتخويفهم بعدم التجرؤ على فعل أي شيء من هذا القبيل، وخاصة بعد تفشي المرض نتيجة الجوع.
كان عناصر السجن يعتمدون على بعض السجناء الثقات لحفر ودفن الموتى داخل باحة السجن، وأثناء ذلك هرب 5 من السجناء الذين كانوا يقومون بهذه المهمة، وثمة حالات فرار لسجناء آخرين -حسب الحلبي- الذي روى أن بعض السجناء كانوا يهربون من ثغرات مفتوحة في جدار السجن داخل الأجنحة، وهي الثغرات التي كانت تخلفها قذائف الدبابة أو المدفعية التي كانت تضرب من قبل الجيش الحر، أو من "الطلاقيات" التي كانت تفتح من قبل عناصر النظام لرصد الجيش الحر.
ولجأ بعض السجناء الفارين إلى تحويل بطانيات النوم لأشرطة بعرض 15سم حيث يتم ربطها ببعضها البعض وتمكينها من الأعلى بباب الغرفة أو شباك الممر، وكان السجين يتدلى بجسده للأسفل بعد تمكن السجناء من فك قفل باب الغرفة أو المهجع بواسطة سلك معدني أو دبوس، وكانت معظم حالات الفرار هذه تنجح.
وذات مرة –كما يقول الحلبي- انقطع الحبل بأحد المساجين الذين كانوا يحاولون الفرار فتم سحبه في اليوم التالي إلى داخل السجن لتتم تصفيته فيما بعد.
وأكد المعتقل السابق أن معدل الوفيات داخل حلب المركزي نتيجة الجوع والأمراض كانت بحدود 5 وفيات يومياً، وثمة وفيات طارئة أخرى بفعل قصف الجيش الحر على السجن دون تركيز.
وأشار محدثنا إلى أن "عدد وفيات السجن حتى أواخر الشهر العاشر من عام 2013 تجاوزت 864 متوفياً ومن بينهم من تتم تصفيتهم بعدة تهم، ولكن ضابطة السجن كانت تكتفي في برقياتها اللاسلكية بتصنيف ضحايا السجن إلى حالات "المرض" و"القصف الإرهابي".
بعد 22 شهراً من اعتقاله خرج "الحلبي" من سجن حلب المركزي أثناء التبادل على الطعام من قبل الجيش الحر مع السجن برعاية الصليب الأحمر والهلال الأحمر، إذ كان الجيش الحر-كما يقول- يسمح بخروج 8 سجناء من المفرج عنهم مقابل كل عملية إدخال طعام، بالإضافة إلى سجين بناءً على طلب الجيش الحر وغالباً ما يكون معتقلاً سياسياً.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية