أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"صالح الحسين" نحات يجسد مأساة الحرب السورية على جذوع الشجر في ألمانيا

من أعمال النحات "صالح الحسين"

النحات السوري "صالح حداوي الحسين" الذي يعيش في ألمانيا منذ عام ونصف بسبب ظروف الحرب من التشكيليين السوريين القلائل الذين تميزوا فناً وشخصية وحياة، فهو متميز في شخصيته لأنه يعمل بصمت ودأب منذ سنوات طويلة، متنقلاً من برودة الحجر إلى دفء جذوع الشجر ليخرج بمنحوتات تظهر فيها الأصالة واضحة، وتتبدى فيها ملامح فنان يعرف ما يريد، وهو متميز في حياته لأن من يعرفون الحسين ابن بلدة "القورية" بريف دير الزور يدركون أنه يعيش حياته كفنان حقيقي، الفن لديه نتيجة مشاعر إنسانية وحياتية مختلفة وخلال أقل من سنة ونصف من لجوئه تمكن من إقامة 3 معارض جذبت إقبال الجمهور الألماني واهتمامه. 

ولد "صالح الحسين" في بلدة "القورية" عام 1968 وفيها درس الابتدائية الإعدادية والثانوية، وتعرّف على الفنان "جميل بيرم" الذي تعلم على يده الخط العربي، وتقدم عامي 1986 و1987 إلى كلية الفنون الجميلة، وكان من الأوائل في المقابلات ولكن لم يتم قبوله بسبب عدم وجود دعم أو واسطة كما يقول.

ويضيف الحسين لـ"زمان الوصل" أنه درس الأدب العربي في جامعة حلب، ولكن لم يتسنَّ له إكمال دراسته، فسافر إلى ليبيا وعمل في مجال الدعاية والإعلام في الخط العربي والرسم ثم انتقل إلى السعودية والكويت، واستقر قبل الحرب في لبنان، حيث كانت تجربته الفعلية مع النحت الحجري وأنجز -كما يقول- أعمالاً كثيرة ولكنها تجارية "تزيينية" وليست خاصة بالعرض الفني. 


بعد اندلاع الثورة عاد الحسين إلى سوريا عام 2012 هرباً من الضغوطات التي عاشها، حيث كان يعمل في الجنوب معقل ميليشيا حزب الله، ليشارك في الثورة السورية وينخرط في النشاط المدني ضمن "التجمع الثقافي الديمقراطي" في "القورية"، وكان التجمع يصدر مجلة باسم "التنوير" وجريدة "الحدث" فبدأ كما يقول- في الرسوم الكاريكاتيرية النقدية ورسم بورتريهات للشهداء وأنجز آنذاك لوحة رخامية كبيرة تضم أسماء شهداء بلدة "القورية"، إضافة إلى حفر أسماء الشهداء على شواهد قبورهم ورسومات كثيرة في أنحاء مختلفة من "القورية"، لكن الإسلاميين خربوها فيما بعد –كما يقول- بدعوى الإلحاد، وآنذاك شارك الفنان الحسين في فيلم وثائقي بعنوان "حكاية مدينة" عن بلدة "القورية" عُرض على قناة دير الزور.

مع وصول تنظيم "الدولة" إلى دير الزور في الشهر السابع من عام 2014 خرج الفنان الحسين من المدينة مع الخارجين –كما يقول- ونزح إلى تركيا، حيث عاش هناك 3 أشهر لم يحصّل خلالها على عمل فانتقل بحراً إلى اليونان، حيث أقام هناك 8 أشهر قبل أن يلجأ إلى ألمانيا ويستقر به المقام هناك. 

لم يستطع الفنان الحسين التعامل مع الحجر في أعماله بألمانيا بسبب ظروف اللغة والإقامة وعدم وجود مكان لتخزين الكتل الحجرية والمعدات المستخدمة في أعماله، حيث يقيم داخل قبو في أحد الأبنية بمدينة "استيهوي" التي وصلها في الشهر السادس من عام 2015 وهذه الأسباب هي التي دفعته –كما يقول- للعمل في النحت على جذوع الأشجار بمعدات بسيطة، مضيفاً أنه بدأ بإنجاز لوحات تحاكي الواقع السوري ومأساة أطفال الحرب، فحفر على هذه الخامة الطيّعة صورة للطفل الغريق "إيلان" والطفلة "رتاج" ابنة "القورية" وبعض المعالم الأثرية والسياحية الهامة التي دُمّرت، سواء على يد قوات النظام في سوريا أو على يد تنظيم "الدولة" ومنها جسر دير الزور وقوس النصر في تدمر ومعبد أسد اللات.

ولفت محدثنا إلى أنه تعلم النحت على الخشب في لبنان وما دفعه لاستخدام هذه التقنية في ألمانيا مجدداً هو توفر جذوع الأشجار في غابة قريبة من مكان سكنه وعدم حاجة هذه التقنية لمعدات معقدة، وقبل ذلك –كما يقول- الحرص على عدم إزعاج الجيران الألمان في المنطقة الهادئة التي يعيش فيها.

ولذلك خصص غرفة أسفل المبنى الذي يسكن فيه عبارة عن قبو لتكون محترفاً فنياً، مشيراً إلى أن جيرانه الألمان عندما لمسوا طاقته الإبداعية وحرفيته الفنية بدؤوا بدعمه وتشجيعه ووعدوه -كما يقول– بتأمين جهة رسمية تتبنى أعماله النحتية وتوفر له مستلزمات عمله الفني.


ومما يُشعره بالحسرة -كما يقول- أن لا يستطيع الإنسان ممارسة فنه وإبداعاته إلا خارج بلده، فكانت ألمانيا هي البلد التي تستحق الشكرللاهتمام والأجواء التي وفروها الألمان لمساعدتهم له على انطلاقته الأولى هناك.

أقام الحسين ثلاثة معارض في ألمانيا اثنان منها في مدينة "استيهوي" بمقاطعة "هولشتاين" شمال البلاد التي يقيم فيها، كما أقام معرضاً وسط مدينة "هامبورغ"، وترافق مع وقفة لأطفال حلب، ولاقت هذه المعارض إقبالاً كبيراً من قبل الألمان وسلطت الصحف الألمانية الضوء عليها ومنها صحيفة "Norddeutsche Rundschau" التي خصصت لتجربته نصف صفحة مع صور منوعة لمنحوتاته.

وأكد الفنان الحسين أن لديه الآن مشاريع كثيرة تحاكي الثورة ومنها جسر دير الزور الذي يفكر بتنفيذه على جذع شجرة بطول 6 أمتار. 

ولفت الفنان الديري إلى أن هدفه من مواصلة عمله الفني في ألمانيا إيصال رسالة للأوربيين والألمان على وجه التحديد بأن اللاجئين السوريين ليسوا عالة على المجتمع المضيف، وإنما هم ورثة حضارة وفن ورقي، ولكن ظروف الحرب دفعتهم للجوء وهم يحبون وطنهم ويتمنون أن تنتهي مأساته للعودة إليه. 

وحول دوافع تجسيده للرموز الحضارية السورية في أعماله أوضح الفنان "صالح الحسين" أن "الرموز الحضارية والآثار هي رمز لكل شعب، فالشعب الذي لا يمتلك تاريخاً وحضارة يفتقر للجذور، ولذلك أحب -كما يقول- تجسيد رموز ومعالم بلاده في منحوتاته وحرص من خلال معارضه على تبيان أن السوريين ولدوا من رحم الحضارة وتعاقبت على بلادهم معظم حضارات التاريخ وليسوا شعباً نشازاً.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(157)    هل أعجبتك المقالة (162)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي