من حكّمك على هؤلاء المساكين، يسأل المعلم بمسرحية "غربة"، الدستور، يجيب البيك. ولما يسأل المعلم: أي دستور، ينتفض البيك قائلا: يا الله يا أنبياء، لك دستور الضيعة، ويطلب إحضار الدستور من الخرج على الحمار، ليفاجأ أن الحمار موقوف لأنه أكل الدستور، فيسأل: كيف استطاع الحمار هضم هكذا دستور.
واليوم، طفا دستور السوريين المستورد أو المقترح روسياً، على سطح نقاشاتهم، ليساهموا بترويج الفكرة والملهاة، بعد ارتفاع حرارتهم الوطنية ونسبة السيادة بالدم، ليحل الدستور مكان الحمار، آكل الدستور وسبب كل ما عانته وتعانيه وستعانيه سوريا، ليتم، وفق ما جرت العادة، أخذ السوريين إلى ملعب آخر بعيد عمّا يفترض بحثه بالمرحلة الثالثة من ثورتهم، من عقاب الحمار ومن معه بحظيرة قتل السوريين، والبحث بمرحلة انتقالية على أساس إعلان دستوري، تعيد بعض أمل بعد جراحات وأوجاع أنهكت كل السوريين.
هنا، مؤكد أن الهدف ليس التقليل من هذا الفخ الذي يبتغي مطلقوه صرف النظر عن قرارات جنيف وإبعاد السوريين عن بحث المرحلة الانتقالية الخالية من الأسد، وإيقاعهم بمطب البحث في نقاط الدستور الخلافية، من ديمقراطية وعلمانية وطوائف وتغييب كلمة العربية عن الجمهورية السورية، ليزجوهم مع الأسد في الاتفاق على صياغة الدستور، ربما المفصّل على مقاسات طائفية، وكأن السوريين خرجوا بثورتهم احتجاجاً على مواد الدستور، لا على حكم ديكتاتوري استطاع تعديل الدستور خلال عشرة دقائق وبجلسة عاجلة لأعضاء مجلس الشعب، لتناسب مادة عمر الرئيس، الوريث القاصر إثر وفاة الوارث عام 2000.
قصارى القول: قد تأتي الإجابة على موضوع مشروع الدستور الذي وزعته روسيا خلال مفاوضات الأستانة أخيراً، بعبارة واحدة، ودون الذهاب إلى الملعب الذي يراد لنا الغرق بوحله "صياغة الدستور مهمة سورية ووطنية وسيادية حصراً، وهو بالأساس ليس نقطة الخلاف، ولا يمكن أن يكون الحل، لذا اتركوا لنا هذه المهمة وتعالوا نبحث عن حل".
وأما إن أردنا الاستفاضة بالأمر، لنسأل وربما بشيء من الاستفزاز الوطني لمدعي السيادة، هل الأخذ بالدستور الذي وضعه الروس، أو بعضه الذي يناسبنا، هو جريمة وطنية، وخاصة أن دستاتير العالم جميعها متشابهة ومنقولة من هنا لهناك، وفق حالة وخصوصية كل دولة، فإن نظرنا على سبيل المثال، إلى دور البرلمان بالصلاحيات الممنوحة بما فيها تنحية رئيس الجمهورية، أوما ورد بالمادة الأولى "تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية تعتمد على أولوية القانون ومساواة الجميع أمام القانون والتضامن الاجتماعي واحترام الحقوق والحريات ومساواة الحقوق والحريات لكافة المواطنين دون أي فرق وامتياز"، فهل من ضير في ذلك؟ أو حتى مما ورد بالبند الثاني من المادة التاسعة لمسودة المشروع ، "أراضي سوريا غير قابلة للتفريط، ولا يجوز تغيير حدود الدولة إلا عن طريق الاستفتاء العام الذي يتم تنظيمه بين كآفة مواطني سوريا وعلى أساس إرادة الشعب السوري". أو حتى، وهو من الأشياء المهمة التي كرست أوجاع السوريين، عبر تأسيس الجيش السوري وفق اعتبارات التبعية للرئيس وليس الانتماء للوطن"، على عدم جواز استخدام القوات المسلحة في المجال السياسي واضطهاد السكان أو عملية انتقال السلطة".
الآن، ثمة مفردات ومقترحات، من قبيل الدستور والقوميات والطوائف والمؤسسات القائمة والجيش الوطني والأجهزة الأمنية، دخلت ضمن جولات التفاوض، أو ستدخل قريباً ضمن الجولات اللاحقة، هي من التعقيد والمخاطر ما يستوجب الوقوف عندها وعليها، لئلا تمر أو تمرر فتكون أفخاخا سيتم اعتمادها على سوريا المستقبل ومن منطلق "من فيك أدينك". لكنها بالآن نفسه، ملهاة لصرف نظر السوريين عن أساس مشكلتهم ومطالبهم الثورية التي نافت تكاليفها ملايين السوريين، بين قتلى ومعاقين ومهجرين، إذ بتنحية الأسد كنظام وليس كشخص، حل لكل تلك المشاكل والتفاصيل المهمة، التي قد يحلها السوريون خلال مؤتمر وطني عام، لأنها بالأصل لم تك موجودة قبل وصول البعث والأسد الأب، وربما بعودة دستور سوريا، قبل دستوري آل الأسد، عام 2012 و1973، أي دستور عام 1950 الذي وضعته جمعية تأسيسيّة منتخبة ديموقراطيا، هو الحل -وإن مرحلياً لننصرف إلى ما هو أولى وأخطر- للدستور وللحمار بآن.
نهاية القول: انسحبت روسيا، أو ربما تنسحب قريباً من دستورها وربما غيره من المقترحات الموضوعة لجهة "الحل السياسي السوري"، وذلك وفق ما سيرشح عن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، فأن يرمي دونالد ترامب فقط "بالمناطق الآمنة" فهذا وحده كفيل للعودة للمربع الأول بكل ملامح الحلول والاتفاقات والقرارات التي قيل وصدرت سابقاً، فماذا لو خرج عن الرئيس الانقلابي قرارات مواجهة مع روسيا أو تركيا بقادم الأيام.
وقتها ولاشك، ستكون أثمان الالتهاء بالدستور المستورد وتمثيل الفصائل واستقالات الائتلاف وتشكيل كيانات جديدة على مقاسات روسية، باهظة لأن الوقت أخطر ما يزهقه السوريون، إذ ليس فقط، لا يمكن للمرء أن يستحم بماء النهر مرتين، بل ولا يمكنه أيضاً استعادة الأرواح وربما المهجرين ولئم الجراح.
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية