لا تستطيع أن تحكم على "منى غانم" من مرة واحدة، وهي سمة امرأة لها ما لها من قدرة على تقديم نفسها كمعارضة علمانية لا تتملكها سطوة الطائفة، وإرثها المخملي فهي ليست (علوية) نمطية، وإنما طبيبة ولها ميول شعرية وأدبية، لذا من الصعب على من يعرفها إلا أن يعجبه سلوكها الناعم، ولغتها الناعمة، إلا أنك لا تكاد تشكل هذا الانطباع إلا وينتابك نقيضه...أهي القدرة على المواربة أم مذهب التقية الذي يخفي ما يخفي وراءه من مكنونات مختلفة.
ستقرأ في آخر ما كتبته على صفحتها هذي المشاعر المختلفة، ووجهات النظر التي تتراوح حول الأمر نفسه بين الوطنية والسخرية والتخوين، وهذا ما يجعلك تهجس أن مساً من الجنون أو انعدام الوزن تعيشه امرأة تمثل على الأقل تياراً سياسياً يسمى تيار بناء الدولة.
تكتب منى غانم عن رغبتها في سورية واحدة، وأن يتفق أبناؤها في (الأستانة) على موقف واحد معارضة وموالاة...وتتمنى نجاح لقاء المتقاتلين ويرموا سلاحهم: (نريد للاستانةً ان تنجح، ونريد ان تبقى سوريا وطنا لكل سوري يريد ان يشارك بتحقيق السلام في هذا الوطن الممزق، نريد للاستانةً ان تنجح، وان يرمي الجميع سلاحه الذي وجهه لإخوة في الوطن).
ثم وبعد ساعات تستيقظ كراهيتا للطرف الآخر، وذقن محمد علوش، والمسلحون الذين يمولهم الخارج، وموقفه من إيران وروسيا، وتنهض طائفيتها النائمة في ظلال العلمانية المعلنة كغطاء، وتكون هي معارضة من أربعة أو خمسة رؤوس: (لما سمعت محمد علوش عّم بدافع عن روسيا بوجه إيران والنظام ...غرغرت الدمعة بعيني).
قبل الأستانة صفقت وبعنف لموقف مغالط لكنه لا يختلف عن قبول روسيا كطرف ضامن من بعض المعارضين، ولكن ذلك اختلف في إسهابه بطعن الثورة وحراكها العسكري: (تحية لكل من يريد أن يحقن الدم السوري ...تحية للعميد مصطفى الشيخ).
هي حالة رفض الآخر مهما قال، والسخرية من كل ما يصدر عنه حتى ولو كان وطنياً، والأهم هو ما يعيش في داخل معارضة ما زالت تخشى على طائفتها من المحيط الذي لا تريد أن تراه سوى غول يقطع الأوصال والأعناق: (وفد المعارضة بالاستانة يريد عودة الأمان الى سوريا... وليس تقاسم السلطة...مرة ثانية ...غرغرت الدمعة بعيني) ...لا أكثر من سخرية ابنة النظام والطائفة التي لا تقبل حتى منطق الآخر الوسطي.
في لحظة أخرى يائسة تستسلم غانم ليأسها في عودة سورية كما كانت، وتلمع فجائعية المشهد حيث لا مكان للضباط والمدعومين ومجد الطائفة، وخشية الآخرين من لهجة ابن السلطة، ووجوه جديدة تصعد إلى حقها في إدارة البلد: (ستبقى ذكرى سوريا الجميلة التي انتهت في قلبي وسيبقى لدي اعتزاز السوري ما حييت، وسيبقى النور في نهاية دروب الظلمة تدفعني للعمل لأجل عودة سوريا يحيا فيها أطفالنا...فهلم بِنَا أيها الأحرار من أبناء سوريا).
ترى عن أي أحرار تتحدث وهي ترى في المعارضة خونة ومرتزقة، وسلفيين، وإقصائيين، والمرأة عورة، وأي أحرار تدعوهم لبناء سورية بالضبط تقصد لؤي حسين وميس كريدي وجمال سليمان...وثلة الهاربين إلى مدن عربية مؤيدة للنظام وخطاب يرى في ثورة السوريين ثورة إسلامية على العلمانية التي ترى نفسها في النموذج البعثي.
أما عموم السوريين فهم مرتبطون بأدوات خارجية كما بالضبط يراهم النظام، وأصبح أمراء الحرب فقط المرتزقة هم من يمثل السوريين، وأما كل الدهماء الذين استقطبهم النظام فهم ملائكة من أفغانستان وإيران والعراق ولبنان جاؤوا لإنقاذ السوريين مما ابتلاهم، فهي ككل المعارضين الوطنيين لا تقترب منهم ولا حتى بالتلميح...وأما السعودية وأعوانها فهم: (تصريحات ترامب عن الاٍرهاب الاسلامي تأتي في نفس سياق تصريحات ميشيل كيلو عن الدور السيء للسعودية في سوريا).
تختصر غانم في لحظات اليأس ما يناسب وضعها النفسي من خشية بعدما تم إقصاء النظام، واستلام مفاتيح البلاد من الشركاء الكبار روسيا وإيران.. (بكلمة مختصرة: السوري مسلحا كان أو سلمي لا كلمة له ولا تأثير في المفاوضات ...ومن له معلم لا رأي له ...للأسف).
المعارضة التي تمثلها منى غانم تعتقد أنها تمثل طيفاً سورياً واسعاً على شاكلة لؤي حسين، ولكن المقربين من هذا التيار يعدون على أصابعها واصابع حسين، عدا عن انشقاقات طالت التيار بعد اكتشاف الدور العميق لكليهما...هي معارضة لها دور واحد فقط هو اصطياد ما يشوه ثورة شعب بأكمله أراد الحرية من نظام مجرم شمولي.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية