ضمن ملف #خرق_النواة
كانت الأشهر التي تلت تحرير الرقة في ربيع 2013 حاسمة وحساسة جدا، ليس فقط لأن المدينة كانت أول مركز محافظة سورية يخرج عن سلطة النظام وقبضته، بل لأن الأمور في الرقة كانت معقدة ومتداخلة إلى حد بعيد، ومحكومة بشبكة علاقات يختلط فيها السياسي بالعقائدي بالعشائري بالمصالحي بالفصائلي بالمخابراتي، وبكل ما "هب ودبّ" من ألوان الارتباطات والأجندات، وكان إلى جانب هؤلاء وقبلهم جموع غفيرة من الناس والناشطين الذي تنفسوا لأول مرة هواء الحرية.. وما أدراك ما الحرية.
وعطفا على هذا بدا المشهد عقب تحرير الرقة أكبر من أن يحيط به تقرير ناشط، أو تحقيق صحافي، أو مداخلة شخص أو مجموعة، ذلك أن "المخبأ" تحت السطح كان ربما أضخم بكثير من الظاهر فوقه، تماما كجبل الجليد العائم.
ورغم كل ما الجهود التي حاولت الإحاطة بما كان يحدث حينها في الرقة، وشرح المسببات التي أفضت إلى انفراد تنظيم "الدولة" بالمدينة بعد طرد كل الفصائل منها، بما فيها الفصيل الألصق به "جبهة النصرة" -كما كانت تدعى وقتها-.. رغم كل ذلك بقيت صورة المشهد الكلي محكومة بالفراغات، التي لايمكن أن يملأ بعضها سوى بـ"نظرة من الداخل"، تتكلم فيها الوثائق عما كان يدور في تلك الأيام.
واليوم وبمناسبة مرور الذكرى الثالثة لانفراد تنظيم "الدولة" بالرقة (كانون الثاني/يناير 2014)، تفتح "زمان الوصل" نافذة على جانب من الوضع السائد في الأشهر القليلة التي أعقبت تحريرها من أيدي النظام، مستندة إلى سجلات ووثائق صادرة عن التنظيم في تلك الأيام، لن تكتفي الجريدة بمجرد عرض محتوياتها، بل ستُخضع بعض ما ورد فيها لمقاطعة المعلومات والتحليل، بعدما أخضعتها للتحقق والفحص.
وتتجلى أهمية السجلات والوثائق في أكثر من نقطة، أولها يتعلق بأنها تمنح الجمهور فرصة الاطلاع "من الداخل" على كيفية إدارة الأمور والتعامل مع قضايا الناس والفصائل والشخصيات المعروفة، وثانيها أنها تعطي ولو فكرة مبسطة عن الأجواء التي سبقت وأحاطت تفرد "الدولة" بالرقة، وثالثها يتعلق بعامل الزمن، حيث يبدو تاريخ الوثائق على درجة عالية من الحساسية، كونه يوثق الفترة التي كانت المدينة فيها تعيش أوج "تنوعها" ونبضها بتيارات ومشروعات مختلفة، بل إن بعضها متضارب حد التناقض، فضلا عن أن الوثائق جاءت في مرحلة كان التنظيم فيها وجبهة النصرة شيئا واحد تقريبا، بل إن حركة أحرار الشام كانت ضمن حلقة "الأخوة" إلى حد بعيد، كما توضح الوثائق.
لكن أبرز ما في السجلات، أنها تكشف وجها من وجوه العمل الاستخباراتي في التنظيم، وهو العمل الذي يقوم به من يعرفون بـ"الأمنيين"، ممن كانوا وما يزالون يراقبون أدق التفاصيل ويرفعون حولها التقارير، دون أن يستثنوا من ذلك أحد تقريبا.
وتحفل تلك السجلات بتقارير وتهم متنوعة، كتب بعضها اعتمادا على مرئيات أمنيي التنظيم، والبعض الآخر على وشايات تم تسميتها "شهادات".
وبغض النظر عن مصداقية تلك التقارير ونسبة هذه المصداقية حال توفرها، فإن التطرق لها يشكل مقدمة لفهم ما كان يقوم به التنظيم قبل أن ينقض على الرقة، حيث أبقى أعينه مفتوحة على الجميع.. رجالا ونساء، عسكريين ومدنيين، موالين ومعارضين، معروفين ومغمورين... مركزا –حسب ما تظهره السجلات- على 3 فئات رئيسة: النظام وعملاؤه، الجيش الحر وكتائبه، المجتمع المدني ورموزه، ومنهم المحامي "عبدالله الخليل"، الذي مازال اختفاؤه لغزا، سنحاول فك بعض طلاسمه وتسليط الضوء عليه في التقرير الأول القادم من سلسلة "الرقة بعيون مخابرات التنظيم".
الحلقلة القادمة
صكوك اغتيال رئيس مجلس الرقة الحرة سبقت تغييبه قبل 43 شهرا
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية