أظن أن قادة الدول الكبرى أمضوا الأيام الثلاثة الماضية وهم أكثر قلقا بعد أن شاهدوا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وهو يصر على تقديم نفسه، أنه كالثور الهائج ..! بينما أمضاها العرب وهو يفكرون كيف ومتى سيبدأ هذا الثور بـ"نطحهم"، لأن سياسة الرجل بدا واضحا أنها ستقوم على ضرب الصغير والضعيف حتى يخشاه الكبير والقوي. وهل هناك من هو أضعف وأصغر منا، نحن العرب، في حلبة المصارعة هذه..؟!
إن قواعد اللعبة العالمية في صورتها "الترامبية" الجديدة، تضغط أكثر على المشهد العربي، المضغوط أصلا، وتفرض عليه تعلم مهارات اللعب مع الثيران الهائجة وكيفية ترويضها، وهي تجربة لم يسبق للعرب أن خاضوها من قبل، وعلى هذا النحو المدمر، إلا أنه من جهة ثانية، ليس من السهل، أن تروض ثورا بحجم ترامب وبحجم الدولة التي يمثلها.
والسيد ترامب، سامحه الله، لم يظهر حتى الآن أي خصلة حسنة في سلوكه وتصريحاته اتجاهنا، فكيف تتحاور مع شخص أول ما يبادرك بالقول: ادفع بالتي هي أحسن؟ وكيف تعرف أنك في اللحظة التي تحاول فيها ترويضه وإرضاءه، أنك لا تغضبه ..؟ برأيكم، هل ينفع معه أن نقول له: تسلملي ها"العبسة"، وعلى نفس طريقة المرأة الشامية التي كانت تمتص غضب زوجها عندما يقطب حاجبيه..؟
بعيدا عن المزاح، دعونا نلخص المشكلة بالتالي، للأسف ينتمي العرب، في تعاملهم مع بعضهم البعض، إلى ثقافة عنجهية لا تؤمن بتطوير مهارات جديدة بديلا عن الأصل الحقيقي عند فقدانه، فإما أن تكون رجلا كاملا أو بلاها "هالعيشة"، وكذلك لا يؤمنون بالحلول الوسط ومثالهم في ذلك، "لنا الصدر دون العالمين أو القبر"، وقد كلفت هذه العقلية شعوبهم أثمانا باهظة عبر التاريخ، أقلها مزقتهم وجعلتهم أكثر قسوة فيما بينهم، ألا يكفي أنه ليس عندهم رؤساء سابقون على قيد الحياة؟!.
وأما في علاقتهم مع الغير والآخر، فهم على العكس تماما، ينتمون إلى ثقافة تتلاشى فيها كل هذه المروءة التي "يتفشخرون" بها على بعضهم البعض، وهو ما كلفهم أيضا الكثير من المصائب والكوارث على مستوى الجغرافية الطبيعية والسياسية لبلدانهم.
غير أن المشهد اليوم مختلف كليا، والأعداء المتربصون والمتحفزون للانقضاض عليهم، باتوا على تخومهم وبين ظهرانيهم، ولا ننسى أن قائمة المطالبين للدول الخليجية بالدفع، تتسع يوما بعد يوم وآخرها الأردن ..!!، وكلها دول تشكل طوقا أمنيا مهما حولها، والتي أصبحت الآن، أي المنطقة الخليجية، محاصرة ومن الجهات الأربع، بأعداء خبيثين كإيران وروسيا، وبأشقاء جائعين كمصر والأردن والسودان، ورئيس دولة عظمى لا يفهم..!! فماذا هم فاعلون..؟
لقد اعتمدت الدول الخليجية على الدوام على سياسة شراء الكبير والقوي، المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، للمحافظة على أمنها واستقرارها في مواجهة أعدائها والطامعين بها، وهي سياسة أمنت لها الكثير من الحماية والقوة بنفس الوقت، غير أن الواقع اختلف في أعقاب التمدد الإيراني الروسي في المنطقة، والذي سمحت به إدارة الرئيس السابق أوباما عن خبث.! وكأن الإدارة الأمريكية كانت تخطط لمواصفات رئيس مثل ترامب يتقن الابتزاز على هذا النحو البشع والفج، وبعيدا عن لغة المصالح المشتركة، فما معنى أن يقول ويكرر: إن على الدول العربية الغنية أن تدفع مقابل حمايتها، وهل هذا يعني أنها لم تكن تدفع من قبل..؟!
على ما يبدو أن ترامب، يحاول أن يكمل المشهد الذي مهده سلفه أوباما، الذي رفع العقوبات عن إيران وحرر أموالها المحتجزة في البنوك الأمريكية في خطوة مستهجنة لناحية توقيتها.. ! وذلك في محاولة لإجبار دول الخليج على دفع المزيد من الأموال وبالقوة هذه المرة.
وكل من يعتقد أن التحركات الروسية الإيرانية في سوريا، وإثارة الفتنة في اليمن، وتبدل الموقف المصري، بأنه حدث بمعزل عن الرغبة الأمريكية، فهو واهم، بل الأكثر إزعاجا من كل هذا وذاك، هو الموقف الأردني الأخير الذي طالب هو الآخر أشقائه العرب الأغنياء بالدفع وعلى نفس طريقة "ترامب"، تحت التهديد المبطن بالانضمام للحلف الروسي الإيراني في المنطقة، وهو ما يعني زيادة الضغط والحصار على المنطقة الخليجية.
كل ذلك يقودنا إلى استنتاج خطير، أن هذا العالم يقوده على الأرض شرير واحد، لو كانوا اثنين لاختلفا...!!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية