تسمّر السوريون، أمس، أمام شاشة التلفزيون السوري لمتابعة شريط اعترافات منفّذي العمل الإرهابي الذي وقع في منطقة القزاز بتاريخ 27 أيلول الماضي، وخصوصاً أن السلطات سبق أن أعلنت اعتقال المتورطين بالجريمة، ومع أن الشريط لم يقدم إجابة عن الكثير من الأسئلة، إلا أنه زاد القلق من فكرة استهداف سوريا على صعيد مؤسساتها المدنية، لا على مستوى النظام فقط.
وأبدت مصادر مطلعة في دمشق ما قالت إنه ملاحظات عما ورد في التقرير، وأهمها:
ـ المجموعة تنتمي إلى تنظيم فتح الإسلام، وترتبط بمجموعة شاكر العبسي وتنظيم القاعدة.
ـ طرابلس هي غرفة العمليات، إذ بيّنت الاعترافات أنها ميدان انطلاق وحركة المجموعة.
ـ منفذ عملية القزاز سعودي الجنسية (أبو عائشة السعودي).
ـ السيارة فُخخت في ريف دمشق في خان الشيخ، عكس ما كان يشاع بأن تفخيخها تم خارج سوريا.
ـ السيارة عراقية مسروقة، وقد ظهر السائق في الشريط.
ـ وجود صلات بين تنظيم فتح الإسلام وتيار «المستقبل» وتولي مجموعات سلفية مهمة قناة الاتصال.
ـ عناصر المجموعة من جنسيات عربية مختلفة، والذين ظهروا في الشريط سوريون ويمنيّ واحد.
ـ العثور على جوازات سفر وبطاقات هوية شخصية كثيرة مختلفة من عدة جنسيات عربية: تونسية، ليبية، سعودية، جزائرية... إلخ.
ـ وجود مشكلة تمويل للمجموعة داخل سوريا، ما أدى إلى القيام بعمليات سطو على مكاتب حوالات مالية (محل حوالات في جرامانة) ومحاولة سطو فاشلة على محل صياغة اعتقل على أثرها أحد أفراد المجموعة.
ـ تهريب المواد اللازمة لصنع الأحزمة الناسفة بواسطة مهربين محترفين وتجنيدهم ضمن المجموعة. (عبد الرحيم رعد مهرّب مازوت من محافظة حمص قام بتأمين ونقل المواد المطلوبة للمجموعة).
ـ تأكيد غياب شاكر العبسي، بعد دخوله سوريا دون تحديد مصيره .
ـ قدم الشريط حوالى عشرة معتقلين، بينهم ابنة شاكر العبسي ومواطن يمني، وآخر عراقي هو سائق السيارة التي سرقت واستخدمت في التفجير، وغالبية المعتقلين شباب متعلمون فيهم مخبريّ أسنان وطبيب أسنان وخبير كومبيوتر.
وأكبرهم عبد الباقي محمود الحسين من محافظة إدلب، وهو من مواليد 1974. ومنهم من تعلّم في دمشق في معهد الفتح الإسلامي.
الرواية :
قدمت سوريا أمس، رسمياً من خلال قناتها التلفزيونية الرسمية، أول رواية عن نشاط أمني تخريبي لمجموعة من الأشخاص الذين قدموا أنفسهم على أنهم عناصر في تنظيم فتح الإسلام الذي يتزعمه الفّار من وجه السلطات اللبنانية شاكر العبسي.
التاسعة مساء أمس، عرض التلفزيون السوري شريطاً وثائقياً تضمّن سرداً قام به نحو عشرة أشخاص، بينهم فتاة قالت إنها وفاء شاكر العبسي زعيم تنظيم فتح الإسلام، وقال هؤلاء بحسب الشريط إنهم ينتمون الى تنظيم فتح الاسلام وإنهم من قاموا بعملية التفجير التي وقعت على طريق مطار دمشق في أيلول الماضي وأوقعت 17 قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى، وقيل يومها انها كانت تستهدف فرع فلسطين في الاستخبارات العسكرية السورية.
وتولى شخص سوري قدم باسم عبد الباقي الحسين (ابو الوليد) سرد الجوانب الأساسية من الرواية، شارحاً في البداية كيفية تعرّفه إلى الأفكار التي يحملها التنظيم من خلال مشاركته في أعمال قتالية في العراق قبل «دخول معهد الفتح الإسلامي في دمشق وهو يستقطب الكثير من الطلاب العرب والأجانب أصحاب الفكر المتشدد». وتحدث عن لقاءات مع شباب سوريين وشاركهم دورات أمنية للانتقال إلى مرحلة تجهيزه وإعداده بأسماء حركية للتعامل مع الشباب الآخرين، وكان اسمه الوليد ثم أبو الوليد. وفي عام 2007 تعرض هو ومجموعته لملاحقات، ففرّ إلى لبنان عن طريق الحدود الرسمية وأقام في طرابلس لفترة، حيث فتح دكاناً. ومن هناك تواصل مع أشخاص على صلة بتنظيم القاعدة، أبرزهم نبيل رحيم (أبو محمد) أحد مسؤولي تنظيم القاعدة في شمال لبنان، وآخر يدعى سمير الأيوبي (أبو عبد الرحمن) من سكان طرابلس.
وقال الشخص نفسه، الذي قال إنه صار المسؤول الأمني عن التنظيم، إنه بعد انتهاء معركة نهر البارد بشهرين ونصف، جاءه أبو عبد الرحمن وقال إن الأقاويل التي تقال بأن شاكر العبسي مقتول غير صحيحة. ثم عاد اليه بعد أسبوع تقريباً وقال له إن شاكر العبسي في البداوي، قبل أن يرتب له زيارة الى البداوي عن طريق شخص يدعى أبو العبد من طرابلس ومقيم في القبة. وكان في اللقاء الأول ملثّماً وعرّف عنه بأنه من تنظيم القاعدة. وفي الجلسة الثالثة كشف عن وجهي، بعدما طلب العبسي منه كيفية الالتقاء أو الاتصال بتنظيم القاعدة.
وتحدث عبد الباقي عن صلة تربطه بشخص آخر سوري الجنسية من حماه واسمه ياسر عناد وهو متزوج من وفاء ابنة شاكر العبسي.
ثم ظهرت على الشاشة فتاة محجبة قالت إن اسمها وفاء شاكر العبسي، زوجة سابقة للسوري محمد طيورة الذي قتل على الحدود السورية العراقية، وبعد معارك نهر البارد انتقلت إلى مخيم عين الحلوة وتزوجت السوري ياسر العناد قبل أن تنتقل معه إلى سوريا.
وحسب عبد الباقي، فإن ياسر له اتصالات مع شخص سوري اسمه أبو عبيدة هو أحد عناصر تنظيم القاعدة ويمكنه ترتيب الصلة مع التنظيم في العراق.
ثم أبلغه شاكر العبسي أن الاتصال ممكن، فقام أبو عبيدة ومعه صديق ثان يدعى سليمان بالاستفسار عن الوضع وما المطلوب من تنظيم القاعدة. وقد استغرقت الاتصالات حوالى شهرين. بعدها جرى اعتقال نبيل رحيم في طرابلس، ثم اعتقل سمير الأيوبي.
وقال إنه بعد ذلك فرّ هو إلى مخيم البداوي وأبلغ العبسي بأن أبو عبد الرحمن اعتقل «فقال لي إنه موجود مع مجموعة، بينهم أبو هاشم (من درعا) الذي كان يدعى أبو الشهيد في معركة نهر البارد، أبو معاذ (فلسطيني ـــ سوري) وكان يدعى في معركة نهر البارد أبو أحمد، أبو الجناب، سوري من حلب. بالإضافة إلى أبو ثابت تونسي ويسكن في ألمانيا وكان هناك شابان من السعودية، أبو عبد الله وأبو عائشة، بالإضافة إلى مرافق العبسي الشخصي واسمه أبو علي وكنّوه بأبو أيمن». ويومها أضاف عبد الباقي أن العبسي «قرر الدخول مباشرة الى سوريا كي لا تكون هناك تبعات نتيجة الملاحقات الأمنية لنبيل رحيم أبو عبد الرحمن، وانتقلنا الى سوريا برفقة شخص لبناني هو أبو العبد مولود في القبة في طرابلس، وقد أوصلنا مهرّب لبناني إلى الحدود السورية، وهناك تسلّمنا مهرّب سوري وأوصلنا إلى مدينة دمشق، حيث بتنا في منزل شقيق أبو أيمن وأقمنا يومين أو ثلاثة، ثم انتقلنا إلى بيت أخ لأبو أيمن الكائن في حي أكبر الأسود من البيت الذي كان يمتلكه أبو عبيدة الذي كان يتولى التواصل مع العراق. وبعد 3 أيام تقريباً عاد أبو العبد اللبناني إلى طرابلس وانتقل العبسي وأبو أيمن من البيت، أبو الجناب وأبو ثابت وأبو هاشم وأنا بقينا عند أبو عبيدة في البيت».
وتحدث عبد الباقي عن تمويل مجموعته وتنظيم فتح ـــ الاسلام فقال: «كانت تأتينا أموال أيضاً عن طريق أشخاص مرتبطين بتنظيم القاعدة، من الإمارات والأردن واليمن، وجاءنا أيضاً عن طريق العراق ومن إحدى الدول الأوروبية، وفي هذه الفترة صرت المسؤول الأمني عن الجماعة بشكل عام وعن شاكر العبسي وتنقلاته وتنقلات الجماعة بشكل خاص، هذه الفترة جرت استشاراتي بالنسبة لإعادة هيكلة التنظيم وإعادة البناء». أما عن تمويل مجموعات التنظيم في نهر البارد «فكانت هناك مساعدات من رجال أعمال وأشخاص من الخليج ومن السعودية. وعندما تراجعت الأحوال المادية اعتمدوا على السطو على البنوك فسطوا على 6 بنوك».
■ العلاقة مع السلفيين و«المستقبل»
وتعود وفاء إلى الظهور لتقول إن «الرجل الثاني في التنظيم شهاب قدور المعروف بأبي هريرة كان على علاقة خاصة مع التيارات السلفية في شمال لبنان، وخاصة مع المدعو بلال دقماق الذي يعمل مع داعي الاسلام الشهال.
وكانت له صداقة قديمة مع هذا الشخص، تم التواصل عن طريق أبو هريرة مع هذه التيارات السلفية. بعدها أصبح هناك دعم مالي مباشر ومساعدات عينية من هذه التيارات، من التيارات السلفية للتنظيم. كما ان مصادر الدعم كانت من بعض الأشخاص السعوديين من التنظيم نفسه الذين يتمتعون بوضع مادي ممتاز، فكانوا يدعمون التنظيم، أبرزهم كان أبو رتاج السعودي وأبو يوسف السعودي».
لكن زوجها ياسر يضيف أن «تيار «المستقبل» كان قد نجح في اختراق كل التيارات الإسلامية بلا استثناء في لبنان، من جماعة الشهال وحتى الجماعة الإسلامية».
ثم تعود وفاء لتضيف: «كان هناك دعم للتنظيم من تيار «المستقبل» وكانت تأتي حوالات من بنك المتوسط التابع للمستقبل باستمرار».
وعند هذه النقطة يعود عبد الباقي ليتحدث عن «البعد الشرعي» للعلاقة مع الجهات السياسية، ويقول إن مرافق العبسي أبو أيمن «دخل معي في نقاش وفهمت منه بعد حوار أن هناك ارتباطاً لفتح الإسلام بجهة سياسية، وفي وقت لاحق أبلغني ياسر العناد أن التنظيم قائم على إرشادات واتصالات، وقد تأكد عناصر التنظيم في عين الحلوة وأبرزهم ابو محمد عوض أن هذه الجهة هي تيار «المستقبل»، وخصوصاً أن الشباب كانوا يتصرفون براحة في اماكن وجود عناصر «المستقبل».
أما وفاء فتضيف: «سألت والدي في إحدى المرات عن وجود علاقة مع تيار «المستقبل» فأجابني أن هناك رسائل متبادلة، وهناك تواصل عبر التيارات السلفية، ثم سألته لاحقاً ما إذا كانت العلاقة مستمرة، فأجاب أنها مستمرة ولكنه قلق لأنه لا يثق بهم، ففي أي لحظة مقابل أي صفقة قد تتبدّل هذه العلاقة أو تتغير لمصلحة أو هدف سياسي».
■ العمل في سوريا واختفاء العبسي
ويعود عبد الباقي ليكمل روايته قائلاً: «أواخر الشهر السادس أو السابع جرى التحضير والتجهيز لتنفيذ عمل في سوريا، وطُرحت بعض الأهداف الموجودة في سوريا لضربها. الأهداف في الدرجة الأولى كانت المراكز الأمنية. كان هناك هدف ثان هو الدبلوماسيون، إيطالي وآخر بريطاني، واستهداف السيارات التي تنقل عناصر الأمن من المراكز الأمنية وإليها، إلى جانب الأهداف الاقتصادية لتمويل التنظيم. هذه الأهداف كان من الضروري ضربها بسرعة من أجل عدم قطع الأمور المادية عن التنظيم. الهدف الأول كان مركز حوالات وشركة حوالات وشركة قدموس والمصرف الرئيسي في دمشق».
ويضيف: «أواخر الشهر السابع اختفى شاكر العبسي، ووضعنا احتمالات منها ذهابه إلى العراق أو عودته إلى لبنان، والاحتمال الذي رُجح هو أن يكون معتقلاً لدى الأجهزة الأمنية، إذ كانت تصلنا أخبار عن طريق الشباب المرتبطين بهم أن الأجهزة تريد إلقاء القبض على الجميع، فلذلك رجّحنا أن يكون أحد الاحتمالات إلقاء القبض على شاكر وبالذات لأنه اختفى مع مرافقيه أبو هاشم وأبو معاذ. وبقينا على هذه الحال حوالى شهر، ومن المعروف في كل التنظيمات أنك لا تستطيع أن تهمل جانب الإمارة، لا بد من تحديد أمير مسؤول من أجل متابعة التحرك بشكل طبيعي».
■ الأمير الجديد والتفجير
وحسب عبد الباقي فإنه بعد اختفاء العبسي تم التواصل مع أبو محمد عوض وهو فلسطيني من عين الحلوة، وكان مسؤولاً من قبل شاكر العبسي كأمير عن التنظيم في عين الحلوة، ثم أصبح أمير التنظيم في لبنان كله. وعلى ما أبلغنا أن شاكر العبسي قال ان الإمارة من بعده هي لأبو محمد عوض. فبشكل طبيعي وتلقائي أكملنا الاتصال مع أبو محمد عوض لنرى كيف وماذا سنفعل، وهو رفض تقديراتنا بشأن اختفاء العبسي وقال إن أفضل شيء هو القيام بعمل في سوريا من دون تردد أو تفكير. ومن الطبيعي تمت الاستجابة وحددنا أهدافاً لإرباك النظام في سوريا وإظهاره على أنه لا يضرب القوي إلا القوي، لأن النظام أثبت في أكثر من مكان المحاربة العلنية، وهذا أصبح زاداً يومياً عند كل شخص من أشخاص التنظيم.
هذا الأمر معروف بالنسبة لتنظيم فتح الإسلام لأنه قُتل صهر شاكر العبسي ومعه شخص يدعى أبو عبد الرحمن على الحدود السورية العراقية على أيدي الأجهزة السورية، وألقي القبض على عدد من عناصر التنظيم وزُجوا في السجون السورية. في هذه الفترة جاءتنا رسالة من أبو محمد عوض الذي أصبح أمير التنظيم العام بعد شاكر العبسي، وتسلّمها أبو أيمن وكان هناك إصرار على القيام بعمل تفجيري في سوريا وبسرعة».
■ الإعداد لتفجير القزاز
وأضاف عبد الباقي أن الأمير الجديد «قام بالتنسيق مع أبو أيمن، وتم اختيار وترتيب أمور الشخص الذي سيقود السيارة، ويدعى أبو عائشة وهو سعودي قاتل في نهر البارد وخسر إحدى عينيه وقد أدخله عبد الغني جوهر (أبو هاجر) عن طريق التهريب إلى دمشق. في هذا الوقت اتفاق أبو محمد وأبو أيمن على الاستعانة بخبير متفجرات وأُرسل (أبو هاجر) الذي كان مسؤولاً عن التفخيخ في فتح الإسلام. ثم كان الأهم عند أبو أيمن هو كيفية تأمين المواد، أي تأمين المال.
واختار أبو أيمن 4 أشخاص توجّهوا إلى مركز حوالات وتم الحصول على مليونين وأكثر. وكانوا يعتبرون أن المبلغ غير كاف. كان لا بد من الحصول على مبلغ آخر، فنفذنا عملية سطو على محل مجوهرات في منطقة حجيرة. ثم ظهر سوريان ويمني قالوا إنهم شاركوا مع عبد الباقي في عملية السطو التي فشلت بعدما صرخ صاحب المحل وحضر مواطنون ودورية أمن.
ويعود عبد الباقي ليشير إلى أن أبو أيمن سأل عن طريقة لإحضار مواد متفجرة لتنفيذ العملية، «أنا أحد الأشخاص الذين تبرعوا بالمساعدة فأبلغت شخصاً من التنظيم يدعى سلمان شحمي وأُحضرت كميات كبيرة من المواد المتفجرة من لبنان عن طريق مهرب (ظهر المهرب في الشريط) وكان يجري نقلها ضمن صناديق تزن 15 إلى 20 كلغ أي حوالى 50 أو 60 كلغ، ثم تكفّلت بنقلها. وكانت هناك حاجة أخيراً الى السيارة التي ستستخدم. فاختار أبو أيمن أربعة أشخاص (أبو سيف، أبو محمود وأبو الخباب) لسرقة سيارة ووقع الاختيار على سيارة من العراق.
ثم ظهر على التلفزيون مواطن عراقي قال: «انا أعمل على خط بغداد ـــ دمشق وبتاريخ 26/9 وعند الساعة 12 ظهراً انطلقت من بغداد ووصلت إلى الحدود السورية ليلاً ووصلت الى منطقة السيدة زينب لإنزال الركاب، ثم انطلقت من الكاراج، وأثناء الطريق اعترضني أربعة أشخاص وشهروا عليّ مسدسات وأخذوا مني السيارة».
ويختم عبد الباقي: «اخذنا السيارة الى مزرعة خان الشيح، حيث نُقلت المواد المتفجرة وتمت عملية التفخيخ، وكان أن أخفي أبو عائشة السعودي عن الأنظار إلى حين موعد التفجير، وهو الذي قاد السيارة وفجّرها».
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية