أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عبد القادر عبد اللي.. عدنان عبدالرزاق*

عبد اللي وعبدالرزاق - زمان الوصل

لجهتي، لا أعرف سورياً أو عربياً حتى، ترجم عن اللغة التركية ثمانين كتاباً، كما فعل عبد القادر عبد اللي، بل وزاد عن الكتب التي تعمّد أن تشمل القصة القصيرة والرواية والكتب التاريخية، السينما والدراما، فكان أول سوري يفتح نافذة تركيا للعالم العربي ليصحح ربما ما شوهته السياسة و"القومجيون" عن الجار الشقيق، مذ صوروه بالمحتل المتخلف وكرسوه بالذواكر كعدو مغتصب بغيض.

واقترن اسم عبد اللي بعزيز نيسين، منذ ترجم له "زوبك"، وتابع بإكساء تلك القامة الأدبية التركية الساخرة، لحماً وروحاً، ليسوقه على غير شبه الأسطورة التي كان يسمع بها العرب عن صاحب "آه منا نحن معشر الحمير" ليعُرف فيما بعد، وخاصة بعد أن اختاره بعض أعلام تركيا، كمترجم حصري لأعمالهم، كالحاصل على "نوبل"، أورهان باموق، بأنه "شيخ المترجمين" وأكثرهم محافظة على روح وخصوصية لغة وبيئة الأعمال التي تخرج عنه، بروح ورائحة عربية.

ودخل عبد القادر عبد اللي، غرف نوم العرب دونما استئذان، بعد أن ترجم، أو –للأمانة- أول من ترجم الأعمال الدرامية التركية "مسلسل نور" ليتابع بعدها بأعمال عدة، ربما كان أشهرها "وادي الذئاب" وكأن الرجل أخذ على عاتقه نقل تركيا الاجتماعية وحتى السياسية، بعد تطورها وقفزاتها مطلع الألفية الجديدة، حتى للأميين ومن يكرهون قراءة الكتب وملاحقة الأدباء والإصدارات.

أما بعد الثورة التي وقف عبد اللي، منذ مطلعها إلى جانب الشعب، فقد تزايد الطلب على نتاجه عربياً، ليغطي ولأكثر من وسيلة إعلامية ودار نشر، الموقف التركي المركب، سياسياً واجتماعياً، إن لجهة الثورة واللاجئين السوريين الذين نافوا ثلاثة ملايين بتركيا، أو ثورات الربيع العربي وانفتاح أنقرة على المشرق، بعد أن اصطدم مشروعها المتأرجح بعقبات تخوّف وشروط الأوروبيين، ليكمل نقل صورة تركيا، أو على الأقل "الأردوغانية" التي آثر بعض الديكتاتوريين العرب، إعادة تشويهها بعد نكء جراح الماضي وإعادة "صورة العثمانيين" إلى الذاكرة وحتى كتب المدارس.

قصارى القول: أصيب عبد القادر عبد اللي بمرض "السرطان" منذ نحو شهرين، وتوقف عن العمل وإن لأجل، ليبدأ بحصاد ما زرع، أخلاقياً واجتماعياً، قبل الثقافي والمعرفي، إذ لم يسمع أحد بما ألمّ بهذه القامة السورية، إلا وبادر للسؤال أو الزيارة أو التدخل على حسب ما يمكنه ويستطيع، ومن الجانبين التركي والسوري ...إلا.

أجل إلا أي تمثيل سوري معارض، سياسي كان أو ثقافي، إذ لم يرن هاتفنا مرة، بحكم أني شبه ملازمه، ليتم السؤال عن هذا المثقف الذي أغنى المكتبة العربية وكان جسر تواصل بين أمتين، تعجز عما فعل، ربما وزارات خارجية ومؤسسات كبرى.

وهذه الـ"إلا" تفتح من الأوجاع، ربما ما لا تدملها السنون، فمن قام على نظام الأسد لم تقتصر قومته على المطالبة بتداول السلطة وعدالة توزيع الثروة فحسب، بل قام لإنصاف الإنسان أولاً، كحامل للتنمية وخليفة للرب على الأرض، قام ليحصل الكبار على ما يستحقون من اهتمام وتكريم.. وقام لينال الإنسان على حسب ما يقدم لا بمقدار ما يركع، فما أوجع الخيبة، بانتقال أمراض النظام إلى تنظيمات المعارضة...وكأنك يا أبا زيد ما غزيت.

نهاية القول: بالأمس، قال لي "أبو خيرو" سأشفى وأعاود العمل، أشعر أني عالة على نفسي دون كتابة، وبصوت يكاد لا يسمع، بعد أن حاول المرض الخبيث النيل من صوت عبد القادر، حكى لي عن مشروعات مؤجلة وأخرى لم تكتمل، بأمل وهمة، ربما لم أرها عنده، طيلة معرفتي به الممتدة لنيف وربع قرن.

*من كتاب "زمان الوصل"
(179)    هل أعجبتك المقالة (187)

عبدالرحمن مطر

2017-01-22

ننتظر المزيد من عطائك اللاحدود له , كما طيبتك .. وابتسامتك .. كن بخير ابا خيرو .. وتحية لك صديقي النبيل : عدنان عبدالرزاق.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي