أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كلنا "نعومي".. حسين الزعبي*

أرشيف

أترعت السنون الست الماضية السوريين، شيبا ًوشباباً، وعلى مدار ساعات يومهم بكم هائل من المتابعات الخبرية والتحليلات السياسية وقراءات الجغرافية والتاريخ والعقائد، حتى تحول معظم هذا الشعب من حيث يدري أو لا يدري، إلى إعلاميين ومستشارين استراتيجيين، ناهيك عن الشعراء، ولو أن الراحل شكري القوتلي كان بيننا هذه الأيام لأعاد النظر بالنسب التي قدمها في مقولته الشهيرة لجمال عبد الناصر عشية الوحدة: "كل سوري يعتقد نفسه سياسيا، وواحدا من اثنين يعتبر نفسه قائدا وطنيا، وواحدا من أربعة يعتقد أنه نبي، ومن بين كل عشرة هناك من يعتقد أنه الله".

ومن المصائب، وما أكثرها، في محنتنا المستمرة، أن يختلط حابل السياسي بنابل المثقف بمزيج الإعلامي وخليط القانوني منتجا حالة متحولة الشكل عديمة الهوية والمعنى، وبطبيعة الحال بدون فعل وفاعلية.

وتشكلت لدينا "طبقة شاشات التلفزيون وأصحاب التصريحات"، ولعل هناك من يستغرب هذا التصنيف الجديد، ولكن الأمر كذلك، فما عدنا نعرف لهذا الشخص أو ذاك خانة نصنفه بها، فيوماً يخرج علينا كسياسي (ممارس للفعل السياسي تنظيميا)، علما أننا نفتقد وجود أي تشكيل سياسي، بل إن ما كان موجودا –في قطاع المعارضة- في سنوات ما قبل الثورة، بات مرمياً في أرشيف الذاكرة، أو اتخذ حالة "ماسونية" نحتاج لعشرات البصارات لنعرف ما هي طروحاته وما الذي يقوم به. وتارة يطل علينا كمثقف!!، وأن تعرف كم القذارة برؤوس حاشية بشار ومؤيديه، أهون بألف مرة من أن تعرف المعنى الحقيقي لكلمة مثقف في سياقها السوري، والمصيبة الأعظم أن الجميع يرى نفسه نعومي تشومسكي، وإدوارد سعيد، وله من دهاء السياسة حنكة كسنجر.

بالأمس القريب، أراد أولياء أمر السوريين من ترك وفرس وروس، أن يحدث في حلب ما حدث، وربما كان ذلك تمهيدا للوصول للأستانة، التي بدأ الحديث عنها منذ شهور، ولأن أولياء الأمر نفسهم يعرفون أن من يزبد ويرعد على شاشات التلفزة لا يملك من أمر الأرض شيئا، كان القرار بالتعامل المباشر مع أصحاب السلاح ممن كانت حلب ملعبهم، وهم أيضا لا يملكون الكثير من ترف المناورة فضلاً على الرفض.

بل أرى أن من الشجاعة القبول وهو ما حدث، لكن لا أرى من الوفاء ولا من النبل بمكان، بدء البعض من أصحاب الهويات المختلطة (مثقف سياسي إعلامي) تقديم صكوك البراءة سلفا، مما قد ينتج عن مؤتمر الآستانة، والاختباء وراء كلمات "قلنا لكم، نصحناكم.. قدمنا ورقة"، فلست واعظا لتقدم النصح، وورقتك لا تكفي، فقد أُتخم السوريون بالأوراق والبيانات، وما يبدو أن سورية مقبلة عليه يحتاج الدخول في العمل السياسي المنظم الذي يستطيع الوصول إلى أبناء الشعب المنكوب في الداخل وفي مغارب الأرض ومشارقها.

وما بيانات وأوراق العالم الافتراضي إلا ذر للرماد في العيون لا أكثر، ثبت أنها غير قادرة على إخراج خمسة متظاهرين في مدينة أوروبية.

*من كتاب "زمان الوصل"
(165)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي