سمحت لي الظروف خلال الأيام الماضية أن أقرأ شيئاً في احتمالات ما ستشهده المنطقة بعد 20 يناير – كانون الثاني 2017، وهو الموعد المفترض لدخول الملياردير الأميركي الأحمر إلى البيت الأبيض في واشنطن.
خلال فترة التحضير للانتخابات والحملة الانتخابية طرأت تغيرات على خطاب دونالد ترامب، وهي تغيرات تتعلق بجذب الناخب، إلا أن جوهر المسألة ما يزال على حاله لجهة الخطوط العريضة المتوقعة لسياسات الإدارة الأميركية الجديدة.
ويبدو أن سياسة التخويف من المسلمين ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، كانت نوعاً من الصدمة الترويجية لمصلحة رجل يعرف أن الخصم سيهاجم تاريخه الشخصي، وأنه لن يستطيع العبور بسياسة الدفاع، ولم يكن بالإمكان إلا ركوب موجة التخويف من المسلمين، على اعتبار أنه إن فاز يمكنه ترميم الصورة، وهذا ما بدأ يظهر بالفعل.
ما الحقيقة إذن؟، وأين تتجه منطقة الشرق الأوسط، والموقف في سوريا، بعد 20 يناير.
في دراسة مستفيضة تحمل عنوان "تقرير أولبرايت-هادلي: استراتيجية جديدة للشرق الأوسط" أصدرها مجلس الأطلنطي، وهو مركز مؤثر في سياسات الولايات المتحدة الأميركية، يبدو واضحا أن الولايات المتحدة ذاهبة مع ترامب لإعادة توجيه الدور، وأنها خلال فترة قريبة ستقول للروس، مهلاً، نحن ما زلنا موجودين، ويظهر ذلك بين سطور الدراسة التي أعدتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد كلينتون، وستيفن هادلي المستشار السابق للأمن القومي في الولايات المتحدة.
تضع الدراسة استراتيجية من شقين، الأول من الأعلى إلى الأسفل، وتتحدث عن البدء في الحد من الحروب الأهلية والإرهاب والطائفية العنيفة في الشرق الأوسط، وتركز على تخفيف المعاناة الإنسانية الحالية في سوريا، واسترداد الأراضي التي تسيطر عليها داعش في العراق وسوريا، وتشترط الاستراتيجية في هذا الشق "جهداً أكبر بقيادة الولايات المتحدة"، وها يعني أن مرحلية "القيادة من الخلف" التي اتبعتها إدارة أوباما ستتراجع في عهد ترامب.
وتأتي "حماية المدنيين السوريين من نظام الأسد، ولهزيمة داعش والقاعدة في كل من سوريا والعراق" ضمن نفس السياق، وصولاً إلى طمأنة "أصدقاء وحلفاء أمريكا بشأن التزامها نحوهم ونحو المنطقة".
ثم يأتي في ذات الشق موضوع توجيه "رسالة واضحة إلى روسيا وإيران، تفيد بعودة أمريكا إلى اللعبة، وبأنهما ليس لديهما طريقاً للنصر في سوريا أو العراق" وهو ما ورد في الترجمة الحرفية لتقرير أولبرايت – هادلي، وهذا يلخص مجمل التوقعات بمرحلة صعبة بين واشنطن وطهران، إذ استهدف الرئيس ترامب مراراً بالنقد اتفاق 2015 النووي، وقد يكون من الصعب إلغاء اتفاق "متعدد الأطراف" كما يرى محللون غربيون، إلا أن عوامل التوتر موجودة، وربما يأتي العقاب في أماكن أخرى تؤدي إلى استفزاز متبادل ينهي هذا الاتفاق.
لا تستبعد رؤية المجلس الأطلنطي، إمكانية التعاون مع الروس والإيرانيين لدرء خطر الإرهاب، لكنها تعبر بوضوح عن أن هذا التعاون لن يكون كما حصل في عهد أوباما، ويتزايد الاعتقاد بأن الأميركيين ذاهبون إلى "المشاركة من الأمام" على اعتبار أن النظرة النفعية لترامب حول التعاون العسكري مع الحلفاء القديمين وعلى رأسهم السعودية لا تزعج السعوديين أنفسهم، بل يمكن عبرها بناء استراتيجيات وتعاون وتحالف واضح المعالم، ومبرر اقتصاديا أمام الناخب ودافع الضرائب الأميركي.
ويقول التقرير بأن لعب دور أميركي أمر ممكن "من دون التزام أساسي من القوات البرية الأمريكي"، لكن تصريحات ترامب المسبقة عن ضرورة تشكيل السعودية لقوة برية تحارب "داعش" قد تفسر معنى ما يريده البيت الأبيض خلال المرحلة المقبلة.
دون استطراد، فإن الشق الثاني، وهو المعالجة من الأسفل إلى الأعلى، يركز على قضايا إعادة البناء من الدائرة الأصغر، ومن البيئات المحلية، وبناء اقتصاد "البراعم الخضراء" أي التجارب الاقتصادية المحلية الصغيرة، ويشترط لتحقيق نجاح في هذا الجانب، تأمين الشق الأول المعني بالقضية الأمنية.
يركز التقرير على مناطق سوريا، والعراق، واليمن وليبيا، ويدافع عن أفكار الإصلاح، والحكم الرشيد، والخروج من المركزية، ويتطرق إلى أموال دول الخليج وضرورة إسهامها في تغيير واقع الشرق الأوسط، عبر استثمارات تساعد في تحسين البيئة المحلية داخل مجتمعات الشرق الأوسط.
يبدو واضحاً أن الروس والإيرانيين مدركون لوجود مسار جديد، وهم يحاولون رسم خريطة سياسية جديدة، وتحقيق تمدد أكبر على الأرض في سوريا قبل 20 يناير، بما يضمن تفوقهم على الطاولة، وتقليصهم لمساحات الاحتكاك مع الأميركي، لكن إن دلّ هذا، فإنما يدلّ على أنهم خائفون من أميركا بهيئتها القوية، فالروس يمكنهم "التهويل" بدور استراتيجي اعتمادا على غياب الطرف الأقوى، ولا يمكنهم التفوق فعلياً وأخذ "حصة الأسد" أمام خصمٍ يتفوق عليهم عشرة أضعاف اقتصاديا وتقنياً إذا قرر أن يحضر "المولد"، وحتى لجهة علاقاته وعمقها في المنطقة، لذلك .. يمكن القول كخلاصة إن بشار الأسد خائف، وهذا ينسحب على حزب الله والميليشيا الطائفية، وأذكّرُ هنا أن تقرير المجلس الأطلطني يؤكد على أن دور الميليشيا (الحشد الشعبي) في العراق يجب أن ينتهي لمصلحة الجيش.
لقد قرأ هؤلاء هذا التقرير.. وربما وضعوه أمام خبرائهم، لكن لا شيء يدلّ على أنّ دونالد ترامب مضطر لحركة "لحس الكوع"، إنه ذاهب إلى المواجهة.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية