أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ليس بالمظاهرات وحدها تنتصر الثورات.. عدنان عبد الرزاق*

من مظاهرات إدلب - ناشطون

يبدو أن السنة الميلادية الجديدة، ستحمل للسوريين بعض خلاصات، بصرف النظر عن تقييمها أو مفاضلتها مع الأهداف التي خرج السوريون لأجلها في آذار 2011، فالأمر وبكل موضوعية، خرج عن أيديهم رغم ما اقترفوا وباعوا، وبدت ثورتهم وكأنها محرّمة، لأسباب يصعب حصرها، وإن كانت الجغرافيا ووجود إسرائيل بحذائها، ربما أهم تلك الأسباب.

فرأينا فيما رأينا، تحوّل من أيّد الثورة بمطلعها، من دول ومنظمات وأحلاف، للحد الذي تحولوا لأصدقاء أعدائها إن لم نقل لأعدائها، بعد أن أعادت ثورة السوريين للعالم أقطابه القديمة، واستمرت بالحت والتعرية للجميع، فأسقطت عن الأحزاب منطلقاتها وعن الأشقاء ادعاءاتهم، ولم تترك من ورقة توت تستر عري كل من كان يدعي قبل اندلاعها، الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكأنها قامت لإسقاط النظام العالمي برمته، وليس نظام الأسد فقط.

قصارى القول: بعيداً عن نكء جراحات سني الثورة، والتي تؤجل لضرورات ظرفية، وأخص منها، مرض الأسلمة وتجارها وداء الائتلاف وما أفرز، ولا تترك دونما محاسبة واسترداد حقوق أولياء الدم. 

يبدو أن شمس السوريين ستشرق من موسكو، أو من كازاخستان بمشيئة ورعاية روسية، هذا إن لم تحمل الأيام المقبلة، مفاجآت أمريكية ترامبية، تعيد السوريين للعد من الصفر، بعد أن حوّل الأسد الصغير سوريتهم، لساحة حرب عالمية ومنطقة اقتسام نفوذ، سيدفعون لزمن، أثمان تحررهم، بعد أن باتت خمس رايات محتلين ترفرف بفعل الأمر الواقع، على كامل ترابها، الذي لم يطاوله التقسيم التقليدي نظريا.

فما يحضّر لمؤتمر الأستانة، يمكن التعويل عليه رغم المخاطر المتوقعة، إن في نصوص الاتفاق ذاته، التي قد لا تتيح عظيم هامش للسوريين، بعد خسارة حلب المؤامرة، وتراجع نقاط القوة التي ستحجّم من طرق المناورة ومساحة طاولة المفاوضات، أو فيما يمكن أن يضعه الخاسرون من وقف الموت بسوريا، في عجلات أي حل سياسي، وفي مقدمتهم -الخاسرون- عصابة الأسد والفرس الذين سيحدد الاتفاق من جموح طموحاتهم، بتشييع المنطقة قبل تحويلها لتابع إلى الامبراطورية البائدة، لطالما كان الدين، الحامل الأخطر الذي أحسن الإيرانيون امتطاءه، في لبنان والعراق واليمن والبحرين وسوريا.

لذا، السؤال بواقع تفشي الانقسام والتخوين بصفوف المعارضة اليوم، ماذا أعددنا للتفاوض وماذا يمكن أن نعد، لتخفيف حجم الخسائر إن لم نطمح بالربح، على طاولة لم يدع إليها-حتى تاريخه -هيئة التفاوض العليا- ويمكن أن تكتظ بالأضداد، وفي مقدمتهم تلك المعارضات التي صنّعها الأسد، لتكون خيبة للثوار واختراقاً لأهدافهم، بذريعة سقف الوطن وحقوق كامل أطياف الشعب، لطالما الديمقراطية هي المطلب والعنوان العريض.

ثمة تحضيرات لا تحصى، كما من أساسيات لابد من المحافظة عليها، فأن يرى السوريون بالأستانة حلاً إلزاميا وفرصة عليهم ألّا يضيعوها، فذلك سيبدد من الحقوق ويزيد من الخيبات، لأنه وبقراءة سريعة للمشهد العام، قد يظهر اضطرار روسيا وتركيا للحل، وربما أكثر مما تحرق النار، يد السوريين.

وتتوزع التحضيرات على مجالات وصعد عدة، ربما أولها تمسك المفاوض السوري بمرجعيات جينيف التي لا تترك مجالاً لبقاء النظام ولو وفق ضمانات ودستور يخط سطوره الرعاة أو من يدعي الانتصار، لأن بالتنازل عن هذا الشرط، عودة السوريين للمآسي والأسد للبقاء والتدوير وإعادة الإنتاج.

ولعل الانطلاق من الداخل لا يقل أهمية عن شرط تنحي ومحاسبة النظام، على الأقل، لإعطاء أنموذج عن حقيقة ثورة السوريين، بعد حملات التشويه التي كستها، حتى ممن ادعى أبوتها ورعايتها، ولكن ليس كما يشاع اليوم ويروّج له، أي الاكتفاء بعودة التظاهرات.

نهاية القول: لا أعتقد من الصحة، وبعد كل ما حصده السوريون، أن يعيدوا تسليم زمام أحلامهم للشعارات والهتافات، أو يطربون لمظاهرات تخرج اعتباطاً، لينتشوا بتعداد نقاط التظاهر ويرددوا "نحنا ما نحتاج الناتو".

بمعنى آخر، ماهي الأفق والخطط والبدائل لدى المتظاهرين، بل وحتى لدى من سرق حلم السوريين من هواة السياسة ومرضى الضوء والدولار، فيما لو سقط بشار الأسد غداً، أو حتى هرب أو تمت تصفيته، هل من رؤية وهدف وطرائق لتحقيقه، أم سيستمر التواكل على ما يفرضه الآخرون، حتى برئيس ودستور يضيّع كل ما فعله وتمناه السوريون؟!.

أعتقد، مع فائق التقدير للمتظاهرين وما يتعرض له أهلنا بالداخل، أن الساسة والمثقفين إن سبقوا الشارع وظفوه بما فيه مصلحة الجميع، أما إن سبقهم، فسيحولهم إلى رجال إطفاء يسعون وراء إخماد الحرائق، أو كمنفذين لإملاءاته التي تغلب عليها العفوية والاندفاع والرغبوية، وربما الثأرية، في أحسن الأحوال.

* من كتاب "زمان الوصل"
(173)    هل أعجبتك المقالة (167)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي