بعيداً عن الحروب والأزمات التي تعاني منها منطقتنا يستعيد العمل الفني "الرحلة الكاملة" عوالم من روح الماضي.
ويتضمن العمل الذي كتبه ولحنه الموسيقار السوري الشاب "ريبال الخضري" مجموعة كبيرة من المقطوعات الموسيقية التي يتوقع أن يكون ابن بطوطة سمعها ضمن رحلته التاريخية في القرن الرابع عشر.
وبعض هذه المقطوعات مبني على كلام من ذلك القرن، قام الفنان الشاب بتلحينها والبعض عثر عليه بعد بحث مضنٍ في بعض البلدان التي وطأتها أقدام الرحالة العربي الشهير، وتم تقديم العمل على مسرح "التراسنطة" في عمان أواخر تشرين الثاني نوفمبر/2015 بمشاركة أوركسترا عازفي المعهد الوطني للموسيقى في الأردن.
وحصل قائد ومؤسس جوقة "آمان" ريبال الخضري المغني القادم من دمشق على بكالوريوس في الغناء العربي من المعهد العالي للموسيقى في دمشق، وعدة جوائز كأفضل صوت غنائي من "مؤتمر الموسيقى العربية السابع عشر" في القاهرة وجوائز عدة من المجمع العربي للموسيقى في الأردن، وجامعة "الروح القدس" بـ"الكسليك" في لبنان وغيرها.
ترأس بعمر مبكر نسبياً قسم الغناء العربي في المعهد الوطني للموسيقى في الأردن منذ عام 2011 وحتى منتصف عام 2014. له العديد من الألبومات "شوية حكي، قصائد سياسية، توشيح حديث"، وحالياً هو عضو مؤسس في فرقة "توشيح أندلسي"، وهي فرقة تقدم التراث الأندلسي العربي بشكل مختلف في أنحاء العالم.
وارتأى الخضري في عمله الجديد أن يقدم عملاً فنياً متكاملاً يتعدى بفكرته الأعمال الموسيقية العادية التي تعتمد على وجود عازفين ومغنيين يقدمون مجرد مقطوعات بل جهد ليكون عملاً فريداً يجمع الموسيقى والفن بالتاريخ والتراث، فكانت أسفار ابن بطوطة حول العالم محور بحثه -كما يقول الفنان "محمد سري سنقرط "- أحد المشاركين في العمل لـ"زمان الوصل"، مشيراً إلى أن الفنان الخضري "سعى للبحث والتنقيب عن القطع الموسيقية التي نشأت واشتهرت في البلدان التي زارها ابن بطوطة في ذلك العصر -القرن الرابع عشر-" وتم تقديم العمل في شهر تشرين الثاني نوفمبر/2015 في العاصمة الأردنية عمّان تحت اسم "الرحلة" التي شملت بعض البلدان التي ارتادها ابن بطوطة.
ولكن الرحلة لم تقتصر على هذه البلدان–بحسب محدثنا– إذ ألح على القائمين على العمل سؤال مؤداه: ماذا لو أكمل ابن بطوطة رحلته؟ وماذا لو وصل إلى أبعد من الأندلس في القارة الأوروبية تحديداً؟
ومن هنا -كما يقول محدثنا- انطلقت الجوقة في جولة موسيقية صيف عام 2016، وشملت 6 دول أوروبية وهي ألمانيا، فرنسا، جمهورية التشيك، سلوفينيا، هولندا والنمسا، وقدمت الجوقة هناك العديد من العروض في عدة مدن، وأطلق على هذه الجولة اسم "الرحلة المفقودة".
وفي مرحلة العمل الأخيرة، قدمت الجوقة خلاصة البحث والتوثيق الموسيقي لجمهورها في عمّان وتزامن الحفل مع إطلاق ألبوم يحمل الاسم ذاته ويحتوي على 16 أغنيةً بعشر لغات مختلفة حية ومندثرة، ورافق الألبوم كذلك كتيب عرض لمراحل "الرحلة الكاملة".
وحول سبب اختيار "ابن بطوطة" موضوعاً لهذه العمل الموسيقي وما علاقة ما تم تقديمه بالواقع وبالأحداث التي يصطخب بها العالم العربي أوضح محدثنا أن "هذا الخيار جاء من كون ابن بطوطة عالماً عربياً فريداً نفتخر به، جال الأرض وجمع معلوماتٍ فريدة في وقت خلا من الصحف أو التلفاز أو أيِ من وسائل التكنولوجيا الحديثة على غرار ما نراه اليوم".
وعاش ابن بطوطة في فترةً ذهبيةً للحضارة العربية الإسلامية، ازدهرت فيها العديد من العلوم".
وذكر أن "فريق العمل أراد من خلال اختياره تذكير أنفسنا ومتابعينا بما كنا عليه من تقدم وحضارة، و أراد أيضاً -وهو الأهم- أن يظهر للعالم أنه بإمكاننا أن نقدم الموسيقى والفرح بعيداً عن التطرف والإرهاب على الرغم مما تتعرض له صورتنا من تشويه".
ولم يقتصر العمل على نبش مقطوعات تحاكي زمن ابن بطوطة بل تعداها إلى صوغ مقطوعات تغوص في أعماق التاريخ، ووجد صانعو العمل -كما يقول محدثنا- صعوبة في استحضار الغناء باللغات القديمة المندثرة، مشيراً إلى أن مغَنّيْ "أمان" قدموا ترتيلة باللغة الهيروغليفية "الفرعونية" القديمة، وأخرى بالبيزنطية، ولكن مع التدريب المستمر استطاعوا تخطي هذه العقبة و غيرها من العقبات.
ورغم تغيّر الذائقة الموسيقية كثيراً عما كانت عليه في الماضي كانت ردود الفعل إيجابية جداً خاصة أن العمل يروي تراثاً شائقاً قدم شخصيةً معروفة شعبياً بشكل جديد لم يسبق أن قُدّم فيها من قبل.
ولفت الفنان "سنقرط" إلى أن فريق "أمان" توقع أن يجذب العمل النخبة المهتمة بالتاريخ والجغرافيا واللغات من طلاب وبعض المفكرين، ولكن المفاجأة كانت -كما يقول- أن آخرين أحبوا ما تم تقديمه مطالبين الفريق بالمزيد، وفسّر "سنقرط" ذلك ببساطة الطرح ودقة اختيار المقطوعات المقدمة.
وكأي مشروع ضخم عانى فريق "الرحلة الكاملة" من نقص التمويل خاصةً فيما يتعلق بالجولة الأوروبية "الرحلة المفقودة" أو تسجيل الألبوم أو غيرها، لكنهم استطاعوا إكمال المشروع بوجود الداعمين الذين آمنوا بفكرتهم وبفنهم حتى النهاية.
و"محمد سري سنّقرط"، 21 عاماً، طالب في الجامعة الألمانية الأردنية يدرس هندسة المياه والبيئة في السنة الرابعة.
ظهر حبه للموسيقى مبكراً في التعلم على البيانو كهوايةٍ في سن صغير والغناء أحياناً، لكنّه توقف لاحقاً. والتحق بـ"آمان" منذ عامين وكانت عودته موفقة -كما يقول- فلطالما اعتبر "أمان" أحد المتنفسات الممتعة بالنسبة له، يمارس من خلالها شغفه الفني ويعطيها قدر ما يستطيع.
وجوقة "آمان" هي جوقة غنائية تألفت عام 2012 في المعهد الوطني للموسيقى في عمان الأردن تحت اسم "عمون"، وانفصلت عنه مع عام 2014 لتصبح جوقة مستقلة بإدارة ورؤية مستقلة بعيداً عن المؤسسات الرسمية.
وتألفت الجوقة في البداية من 16 عضواً وعلى مدار 4 سنوات أصبح عددهم أكثر من 90 عضواً، بعد أن اكتشفتهم "آمان" وطوّرت موهبتهم.
ويضم أرشيف الجوقة أكثر من 90 عملاً غنائياً بأكثر من 16 لغة، كما أقامت نحو 50 حفلاً في الأردن ودول عربية وأوروبية وحازت على جائزة الرعاة في مهرجان "جوقات العالم" بدبي هذا العام 2016.
ويخطط فريق "أمان" لأن يكون العام القادم عاماً حافلاً بالعطاء، إذ سيتم تقديم عمل فني ضخم بعنوان "كرفان من الصحراء" الذي من المؤمل أن يُقدّم في أوروبا وكذلك سيقدم الفريق حفلين أحدهما بعنوان "إلى فيروز مع حبي" والآخر "ألوان السلام" بالإضافة إلى العديد من النشاطات في الأردن والدول العربية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية