جاءت شائعة تنصيب رندة قسيس رئيساً لسوريا، بمثابة النكتة السياسية المضحكة، ضمن حملة بدأت تتعاظم وتيرتها، منذ طرح الرئيس الروسي مع حلفه الجديد، بأنقرة وطهران، خارطة حل بسوريا، لتنضم-النكتة- إلى ما سبقها وربما يتلوها، من شائعات، ربما من غير السياسة، عدم التعامل معها ببعض قراءة وربط، إن لم نقل بجدية على اعتبارها بالونات اختبار، وأخص ما خرج منها عن "المؤسسات " الإسرائيلية على اختلافها، سياسية كانت، أو عسكرية وإعلامية، والتي ربما تكون الأبلغ، بين جميع ما طرح من دعابات ونكات وشائعات، نظراً لمدلولاتها القاطعة بانتهاء الدور الوظيفي لبشار الأسد، وإمكانية الاستغناء عنه، بعد الطمأنة التي منحها لإسرائيل، جراء تهديم جميع البنى والهياكل السورية، وفي مقدمتها الصواريخ البالستية والأسلحة الكيماوية، ولم يعد لآل الأسد دوراً يذكر، بعد إتمام المهمة وتنفيذ المؤامرة على سوريا، والتي أول وأكثر من أشار لها، هو رأس النظام نفسه.
قصارى القول: لعل أهم انتصار حققته الثورة السورية حتى الآن، هو إلغاؤها أبدية آل الأسد بحكم سوريا، والتي-الأبدية- ما كانت لتسقط، بدولة أمنية عميقة، خُطط لها لتكون على مقاسات محددة، لولا انتفاضة السوريين، رغم كل الذي تعانيه الثورة اليوم، من خذلان وتقهقر وانقسامات.
ولكن أن تأتي رندة قسيس أو حتى من يشبهها، بديلاً عن بشار الأسد، وبعد مليون قتيل ومثلهم معاقين وتهجير نصف السكان، فهذا ما يعتبر خذلاناً آخر للثورة، وذلك ليس من منطلق أنها أنثى أو تنتمي لفئة أو تيار ما، كما ذهب بعض المتعصبين والذكوريين، بل لأنها لا تمتلك شروط ومواصفات الرئيس، بقدر ما هي تابعة وترى في تمردها بالطرح، السياسي وغير السياسي، ميزة تتفرد بها ثالثاً، ولأنها لا تشبه تطلعات السوريين ثانياً، بعد أن رأت ببوتين وطريقة تدميره سوريا حلاً وفي بشار الأسد مخلصاً وضامناً، وإن سميّت على المعارضة "شيت سقف الوطن "، فضلاً عن السبب الأول، وهو أنها أو أي رئيس لسوريا، لابد أن يبتعد بوصوله للسلطة، عن طرائق التوريث والتسمية المسبقة لاعتبارات خاصة وطارئة، بل لابد أن ينعم السوريون بالديمقراطية وتحديد فترة الرئاسة والحريات السياسية، بعد كل الذي ضحوه ولاقوه.

نهاية القول: ربما ينتحر بشار الأسد بسبع طلقات قريباً، أو قد يطلب إليه التنحي أو الهروب أو اللجوء، كما قد يفرض لفترة على السوريين، بواقع ما يسوّق اليوم، ضمن "نكتة" حق السوريين باختيار رئيسهم، ولكن، وبصرف النظر عن الدخول في غياهب تلك الاحتمالات التي يغلب عليها التأويل أو التنجيم، أعتقد من الأهمية البالغة بمكان الآن، العمل على مسارين وعلى نحو سريع وفاعل.
الأول، العمل على تأسيس حزب لكل السوريين، كما طرحنا هنا بــ"زمان الوصل " مراراً، وذلك تفادياً للوقوع بفخ نتائج الصناديق، التي قد يعتمدها العالم بحجة الديمقراطية، فتعيد بشار الأسد أو أحد رموز نظامه، بغياب منافس يرضى عنه السوريون، وهذا حديث طويل وسبق أن نوهنا إليه مراراً وتكراراً .
والأمر الثاني، الاستعداد للحرب الدبلوماسية التي ستفرض على السوريين قريباً، وخاصة بعد ضعف مواقفهم على الأرض، بعد مؤامرة خسارة حلب، لأن الذي نراه اليوم من حملات تخوين وتشكيك، أو رمي اتهامات ضياع الثورة على "الإئتلاف أو الإسلاموية" قد تزيد من حالات التشرذم وتفتيت المعارضة، ولا تجني من يقودها في محاولة للقفز من المراكب الغارقة، أو تصويب مسيرة الثورة، إن بالائتلاف أو الفصائل، إلا زيادة مواقف النظام القاتل قوة، وتعزيزاً للمواقف الدولية التي ستتنامى قريباً، بأن ليس في المعارضة ما هو كفوء أو متفق عليه، فتكون ربما ساعتها، رندة قسيس، أفضل الخيارات السيئة المفروضة.
*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية