الحقيقة أنني فقدت متعة قراءة الأخبار والتقارير والتحقيقات، ولم يعد يغريني من الشعر الروايات إلا ما سبق وقرأته وربما نسيت معظمه لأن ذاكرتي لا تحتفظ إلا بالقليل منذ تجاوزت الثلاثين.
ألذّ ما مرّ علي في اليومين الماضيين هو خبر الكويكب الضخم الذي سيصطدم بالأرض بعد 22 شهراً، وسيتسبب على الأغلب بموتكم جميعاً ما عدا الذين سيموتون قبل ذلك وهم في عداد المجهول.
ويقول الخبر إن هذا الاصطدام لم يحدث إلا قبل ستة وستين مليون سنة، عندما انقرضت الديناصورات، حسبما يؤكد د. جوزيف نوث من مركز "غودارد" لرحلات الفضاء التابع لناسا في سان فرانسيسكو.
ويؤكد الرجل أنه ليس هناك ما يمكن القيام به لتفادي التصادم، حيث من المفترض أن الطريقة الوحيدة هي أرسال مصادم حركي (جسم يصطدم بالكويكب)، أو قنبلة نووية لحرف الكويكب وتغيير مساره.
لم يقنعني الخبر لأنني كبشر سمعت وقرأت عشرات المرّات عن مذنبات وكواكب وكوارث ستنهي الحياة على الأرض، لكن عندما تتحدث "ناسا" أو المؤسسات العلمية التي لا تهوى اللّعب في هذه القضايا، ثم تتناقل مؤسسات إعلامية عريقة كالغارديان والجزيرة هذه الأخبار، يصبح عندها ممتعاً ومخيفاً تخيّل ما سيقوم به البشر في هذه الفترة أفراداً ومؤسسات وأمماً.
لعل في الأمر شيءٌ من جنون المتعة، أو الخوف، وأحيانا سيرتقي الأمر بي لأقول كإنسان من بلدٍ رأى وعاصر الأهوال خلال نحو خمس سنوات بأن علينا أن نستمتع برؤية العالم كلّه مرعوبا من الموت، وأن يتشارك الذين يطلقون الصواريخ والسلاح الكيميائي نفس الشعور مع الضحايا.
كنت أبحث عن معلومات عن حجم وخصائص الكويكب الذي سيقتلنا، فلم أجدها بعد، ثم أردت البحث قليلاً في علامات يوم القيامة، وفكّرت بجبروت الإنسان وقدرته على تجاوز الحدث، ثم تراجعت لأفكر بيوم القيامة، وكيف يمكن أن يحدث الأمر طالما أن المؤمنين في الديانات الثلاث يبحثون عن أحداث لم تحصل بعد، وقلت ربما ستحصل في 22 شهراً، ثم تذكرت أن المسلمين يؤمنون بأن الساعة لا تقوم إلا على "شرار القوم" وصرت أبحث عمّا إن كان ثمة أفاضل مازالوا على هذا الكوكب، ومع استحالة أن تشق على صدور الناس فتعرف شرارهم من أراذلهم، اعتبرت أن الأمر ممكن لو أننا نظرنا إلى الجانب المظلم في شخصياتنا جميعاً.. ووصلت إلى نتيجة مفادها مرحباً بك أيها الكويكب.
ماذا ستفعل أنت أيها القارئ العزيز، هل ستشتم "ناسا" وخبراءها، أم ستجمع بعض المؤونة لأن الوقت قصير، وماذا عن الذين يحبون الحياة مثلاً، أو أنهم لم يجربوا بعض ملذاتها، هل سيسارعون إلى تجريب الأخطاء، هل يؤمن بشار الأسد وفلاديمير بوتين ودونالد ترامب بنهايات كهذه مثلاً، فيعمد الأول إلى الانتحار، والثاني إلى وقف جموحه للقتل والسيطرة، فيما يقوم الأميركي بتوزيع ثروته، أو وضعها تحت تصرف العلماء لكي يجدوا حلّاً قبل نهاية 2018.
في النصوص المسيحية واليهودية خصوصا في سفر الرؤيا ليوحنا اللاهوتي، هناك الأختام السبعة، وواحد من هذه الأختام التي هي علامات الساعة يتحدث عن سقوط نيزك أو كوكب على الأرض، وفي الختم السابع يجري الحديث عن النفير على سبعة مراحل وفيها أيضا حديث عن نهاية الحياة باصطدام كونيّ.
ويركز اليهود أكثر على معركة "هرمجدون" في فلسطين، وهي تتقاطع حتى مع نبوءات للمسلمين، فيما يتعلق بالمسيح والدّجال في آخر الزمان.
أما المسلمون الذين يعتقدون بأشراط الساعة وعلاماتها، فإن من بينها شروق الشمس من مغربها، وهذا بالتفسير العلمي يحدث بصدمة من كويكب يغيّر حركة الأرض، وباقي التفاصيل التي يتشارك فيها المسلمون مع اليهود والمسيحيين، مع بعض الاختلافات تقود إلى اعتقاد جازم بأنّ الأرض ستنتهي بحريق هائل.
أما وقد انتهيت في مكان غير الذي بدأت فيه، فإنني أشعر بأن خبر الكويكب الأخير يعيدني إلى حكايات الجنّ والعفاريت في قريتنا، وها هي قشعريرة باردة تنسلّ إلى بدني وكأنني أعيش للتوّ لحظة النفير، وقد استفزني طفلي الصغير قبل أيام عندما أسمعني صوت الكواكب التي انصرفتُ عن متابعة أمورها وأخبار علومها إلى كتابة النصوص والأخبار والتحقيقات الصحفية فقط لكي أكمل طريق الحياة كموظف يعيش من أجل طفلين وزوجة وبعض أهل يحتاجون يد العون.
لا أعرف كيف أنهي هذا المقال.. لكنني أفكر جدّياً بأن شيئاً ما سينتهي، وأن هذه الأرض طالما أن المادّيين يؤمنون أنها تكونت بعنصر التصادم والصدفة، فهي ستنتهي بذات الطريقة، وطالما أن المؤمنين لا يشكّون بوجود خالق هيّأ الظروف لنشوء الكون والحياة على الأرض، فهو قد توعّدهم بنهايتها، ورفض إعطاءهم موعد الساعة.
إذن ليس المهم أن ثمة علامات.. المهم هو أنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة، مثل الأطفال، وعليها ما يستحق الموت مثل الطغاة، فإن عشنا عاش الطغاة بنفس حقّ الأطفال في الحياة، وإن قتلنا فقد قُتل الأطفال بنفس القوانين الفيزيائية التي قتلت الطغاة .. كويكب أو انفجار عظيم.. وأما بقية المعارك فهي تفاصيل.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية