عقب اللحظات الأولى لعملية اغتيال السفير الروسي لدى تركيا، كل شيء كان متوقعاً باستثناء ما حدث، وأجزم أن الملايين حبسوا أنفاسهم بانتظار رد فعل موسكو وفي ذاكرتهم التصريحات النارية للرئيس فلاديمير بوتين تعقيبا على إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي اخترقت أجواءها.
إلا أن التصريحات الأولى أفرغت شحنة التوقعات السلبية لدى من يخشى تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة، وبُهت من أمّل بأن تُزج تركيا في حمى مواجهة قد تعيدها إلى الوراء عقودا وتنهي أحلامها بالوصول إلى العام 2023 كقوة عالمية.
وإذا استثنينا دعوة الخارجية الروسية مجلس الأمن إلى عقد اجتماع طارئ فيمكن القول إن التصريحات التي جاءت من موسكو كانت متطابقة تماماً مع ما صدر عن المسؤولين الأتراك ومحلليهم السياسيين، فرئيس مجلس الدوما قال إن "عملية الاغتيال لن تفسد للود قضية"؛ لتختتم التصريحات الروسية بإعلان الناطق باسم بوتين أن "حادثة اغتيال السفير الروسي استفزاز يستهدف علاقاتنا الطيبة مع تركيا والتسوية في سوريا"، مع تأكيد على عقد الاجتماع الثلاثي "الروسي التركي الإيراني".
والسؤال لماذا تعاملت موسكو بكل هذه "الرصانة" الدبلوماسية؟
باجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، يمكن القول إن موسكو تدرك أن لا مصلحة لأنقرة بمثل هذه الحادثة، وهي التي أجرت تحولات في سياستها الخارجية في سبيل تجاوز أزمة اسقاط الطائرة، كما تعلم روسيا ان تركيا لن تغامر بـ "إنجازاتها" في عملية "درع الفرات" التي ما كان لها أن تحقق ما حققته لولا الضوء الروسي الأخضر، ولا ينقصها أيضا أن تعود روسيا مرة أخرى إلى تبني الأحزاب الكردية الانفصالية في سوريا.
ويضاف إلى ما سبق الملف الاقتصادي، وهو الأكثر أهمية بالنسبة للأتراك والروس الذين أنجزوا مؤخرا اتفاق خط أنابيب نقل الغاز الروسي عبر الأراضي التركية والمعروف باسم "السيل التركي".
تعي روسيا أن ممارساتها في سوريا أوجدت حالة غليان في عموم العالم الإسلامي، وذلك على الرغم من أن ردود الفعل على ما حدث في حلب لم تكن بمستوى الفاجعة، إلا أن هذا لا ينفي أن الكثير من الشعوب لو أتاحت لها أنظمتها فرصة التحرك لما هدأت، ومن تابع المظاهرات الأخيرة التي خرجت تضامنا مع حلب، يعي أن الشعب التركي متقدم على حكومته بخصوص الملف السوري.
ووفق هذا التصور ربما لم تستبعد موسكو "ضمنيا" أن تكون عملية الاغتيال حالة فردية، ورد فعل عفوي على ما حصل في حلب التي أنجبت يوما "سليمان الحلبي" قاتل الفرنسي "كليبر".
وبعيداً عن الحالة السياسية للعملية، وبعيدا أيضا عن طروحات عدم جواز قتل السفراء ورفض الاغتيال السياسي، فإن ما فعله الشاب "مولود" سيضاف إلى وجدان السوريين وستختلط الانفعالات تجاهه بكل الأوجاع التي أوجدها الروس في سوريا، مؤملين بـ "مولود" سوري يطيح بالاسد.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية