لا يخفى على أحد ممن تابع الانتخابات اللبنانية الأجواء المشحونة التي صاحبت صنّاع القرار في لبنان إن كان من فريق السلطة الحاكم أو قوى المعارضة السياسية اللبنانية , وبات الجميع يعرف أن هنالك لعبة سياسية حاول الكل اللعب على أوتارها وتجلت في الحملة الدعائية الكبيرة التي حملها نواب 14 آذار فريق السلطة والمتاجرة بدم الشهيد الشاب بيار الجميل واللعب بوتر العاطفة لكسب المسيحيين اللبنانيين هذا من جهة
ومن جهة ثانية تأكيد الجنرال عون أنه الطريق الوحيد للخيار المسيحي للاستحقاق الرئاسي من خلال كسب المسيحيين في المتن.
كل ذالك جاء في أوقات كان الكل يحسب لهذه الانتخابات ألف حساب من الذي سوف يثبت للعالم أنه الأقوى لقد كان المسؤولون على مستوى العالم يتابعون هذه الانتخابات عن بعد والكل يترقب نتائج التصويت لا سيما في الدائرة المتنية على اعتبار أن المرشح عن المقعد السني هو تحصيل حاصل للقوى 14 آذار وليس هنالك من ينافس على المقعد سيما وان حزب الله رفض المشاركة في الانتخابات وقاطعها من جهة عدم الخوض في صراع مع السلطة والبقاء متفرجا من بعيد على الأمور أو لنسمي الأمر استخفاف بالفريق الحاكم وإعطائه عصارة ليمون على جروحه التي باتت كثيرة , في المقابل كان لقوى حزب الله الدور الأكيد والفعال في دعم الجنرال ليخوض المعركة ( معركة الدم والمقعد )
عون خاض هذه المعركة وهو على يقين أنه سيكون الكاسب الوحيد مع وضعه بعين الواقع أن دم الشهيد بيار الجميل سيكون هو المانع الوحيد الذي سوف يوقفه إن شاءت الأقدار وبات الجنرال يراهن على العاطفة التي ضربت أطنابها بعد اغتيال الشاب بيار الجميل وهو يعرف أن فريق السلطة سيتاجر بدم هذا الشاب والواسطة هي والده
ففريق السلطة راهن هو الأخر على أمرين الأمر الأول أن المرشح عن الفريق هو والد الشاب الذي اغتيل والأمر الثاني أن هذا المرشح هو رئيس جمهورية سابق كان له دور على الصعيد السياسي في الفترات الماضية وله العلاقات الكبيرة على المستوى الدولي والعالمي , وزج جميل في هذه المعركة سيكون مكسب كبير لهذا الفريق لا سيما أنه سيكون السد الوحيد الذي سيقف في طوفان سبعينية الجنرال عون التي حصل عليها في الانتخابات الماضية
وبهذه التحليلات البسيطة نجد أن الكفة متراجحة بينهما والمعادلة صحيحة والفريقين شكل خطة عمل رهيبة كل منهما تاجر على حساب ما يملك من أوراق كبيرة بين يديه
أمين الجميل ومن يدعمه من فريق السلطة الحاكم وما اله من دعم إن كان سعوديا بالدرجة الأولى وأمريكي فرنسي في الدرجة الثانية سواء ماديا أو معنويا
وكميل خوري هذا الطبيب الشاب الذي دخل المعركة وخرج منها وهو لا يعرف ماذا يقول بل كان كلعبة الدمى في يد الجنرال وأحسن اللعب بها , دون الاستخفاف بما يملك الجنرال من إمكانيات شعبية عارمة أثبتتها الانتخابات في عام 2005 والتحالف القوي مع حزب الله الموالي لسورية وإيران وهو يعرف تماما أن خط حزب الله خط سوري إيراني ويعرف أن الدور الذي يقوم به هو ضد المصالح الأمريكية ويخدم المصلحة السورية الإيرانية للتصدي للمشروع الأمريكي في المنطقة
ولكن الخبرة السياسية لعبت دورها هنا وكان لا بد أن يكون هنالك حسم ولو بفارق صوت واحد وليس 418 صوت والعبرة في الخبرة من خلال الورقة الأخيرة أو لنسميها الجوكر ألأرمني الذي ظهر على الطاولة بقوة وبضربة لنطلق عليها الضربة القاضية , الأرمن قالوا كلمتهم
لقد فعلوها وأثبتوا من خلال حزب الطاشناق أنهم لاعبين لدور سياسي كبير في لبنان بات الكل يحسب لهم حساب وأثبتوا أنهم يلعبون دورا قوميا من جهة لبنان ودورا مسيحيا من جهة التهميش المسيحي الحاصل مع فريق السلطة الحالي , لقد أثبت الجنرال ومن ورائه أنهم الأذكى في اللعبة السياسية الأخيرة حيث أكلوا الكتف من حيث يجب أن تأكل .
قوى السلطة نسيت ما وعد به رفيق الحريري للأرمن في لبنان قبل أن يغتال بعدة شهور وكيف أنه عرف أن لهذه الفئة دور كبير في لبنان مستقبلا ولكنهم لم يعرفوا هذا الأمر ,بل أنهم قاموا بتهميش الأرمن ولم يرتكزوا عليهم أبدا والواضح الأكيد عدم رؤيتهم لما كان يراه رفيق الحريري حيث أثبتوا بأن خبرتهم السياسية فاشلة وغير مستحقة لتكون قيادية في لبنان وكشفت هذه الانتخابات عدم النضج السياسي للبيت الحريري الشاب ولا للمختارة الجنبلاطية ولا لجعجعية القوات اللبنانية فهم باتوا يعزفون الحان الشهادة والمتاجرة بالدماء كل يوم دون حساب الوقت ولا المواقف مع خربطة الطاولة وقلبها رأسا على عقب
سعد الصغير بات يخاف هو وفريقه من هذا الانتصار الساحق لقوى المعارضة والذي كسر شوكتهم التي كانوا يتعالون بها بالإضافة إلى التوقع المسبق لاتهام سورية وإيران بالتدخل في كل شيء بلبنان وعرقلت الحكومة الغير شرعية والمضي لاستعطاف الناس وخداعهم بأنهم حققوا انتصار سياسي في هذه الانتخابات
وبعد هذه الوقفات مع الانتخابات اللبنانية ومطالعتها لابد لنقاط هامة ترسمها المرحلة المقبلة نستخلصها في النقاط التالية
1- سيختار اللبنانيون ما بين عاطفة الدم وعقل المرحلة وتداعياتها وسيكون لقوى المعارضة هدوء يسبق العاصفة الرئاسية بتلاشي دمار 14 آذار خلال السنين الثلاث الماضية
2- انتهاء الحياة السياسية لأل الجميل ورحيل الأمين عن السياسية بعد تقبله الهزيمة والصدمة بخسارتين ثقيلتين أبنه الشاب وعرشه السياسي
3- بكركي ستقول كلمتها في هذه المرحلة وستعلن تخليها عن المشروع الرئاسي إن كان لصالح الجنرال أو الرئيس جميل مع طرح أسماء جديدة على الساحة الرئاسية متمثلة بالجنرال سليمان قائد الجيش مع تأكيد بكركي أنها ترفض أن يكون رئيس الجمهورية عسكريا سابقا أو سيكون لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة دورا واسما يطرح على الساحة السياسية الجديدة وورقة أخيرة بيد البطريركية المارونية وإلا سيكون لعون الحصة الأكبر في ذالك
4- انتصار الموقف السوري الإيراني في الانتخابات المتنية سيأجج غضب الحكومة الأمريكية ويقلب الحسابات على أساس رسم خطة جديدة تقوم وتحجم هول الخسارة التي كانت أمريكة تعول عليها الكثير
5- إعادة النظر في الموقف الفرنسي تجاه لبنان لتكون هذه الانتخابات بداية الانفتاح الفرنسي السوري وفتح المفاوضات على ارفع المستويات
أخيرا ليقتنع الحريريون أن الخسارة باتت ثقيلة عليهم والانتخابات هي معركة سياسية لا تكشف أوراقها إلا في النهاية وليعرفوا أن العاطفة لم ولن تصنع قرار بل العقل والحكمة هي من يصنع القرار وليكون لهم الخيار الأخير في مشروع أمريكي ماضين في طريقه إلى الهاوية أو عودة عربية إلى الطاولة العربية تبعد المتاجرة بالدماء وليكون هنالك وفاق وطني لبناني يعيد الأمور إلى مجراها وإعادة النظر في كل العلاقات العربية عامة والسورية خاصة ليخلصوا إلى أمر هام جدا أن الرقم الأصعب في المعادلة اللبنانية والعالمية هي سورية التي أثبتت عبر مواقفها الماضية والحاضرة أنها الأقوى من خلال سياستها وتعاملها الأكيد مع كل القضايا بوعي ونضج سياسي قل نضيره
معركة الدم والمقعد ستكون خير شاهد على مرحلة جديدة ستكون فيها الورقة السورية هي القشة التي ستقسم ظهر المشروع الأمريكي وأكثريته اللبنانية .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية