من هو ولي الدم بسوريا، ليفتي بصلح مع نظام الأسد، فيبرأه من جميع الجرائم التي ارتكبها وعصابته، عبر ست سنوات، فيساعد في إعادة إنتاجه ليستمر ببهجة الانتصار على أطفال وعجائز سوريا، ويبيع دم نحو مليون سوري ومثلهم معاقين، وينوب عن آراء نصف سكان سوريا الذين تهجروا وأذلوا على أبواب اللئام.
بالمقابل، من يمكن أن يكون ولي لدم آخر سيراق، وسوريين سيهجرون، بعد الهزيمة التخاذل بحلب، التي غيّرت من شروط الثورة، ووضعت إدلب، بعد أن تحولت لتجمع المسلحين المبعدين من أصقاع الثورة، هدفاً مبرراً للقصف والاجتياح.
وأيضاً، من له أن يؤمّل على أي طرف، إقليميا كان أو دوليا، يمكنه أن يلجم النكوصية الفارسية التي ترى في حلب امتداداً لامبراطوريتها البائدة ومكاناً لثأر الحسين وزينب وإسماعيل الصفوي، أو الوحشية الروسية، التي رأت في سوريا آخر حروبها والجغرافيا الوحيدة التي ستثبت من خلالها، أنها دولة عظمى وند للولايات المتحدة، بعد الذي عاناه الحلبيون وعلى مدار ثلاثة أسابيع، من القتل والحرق، وعلى مرأى ومسمع الجميع.
ربما ما بين هذا وذاك، تكمن السياسة، التي لا تضع المعارضة السورية بموقع الرافض للحل السلمي، كي لا تعطي مبرراً لقتل من بقيّ في إدلب وريف دمشق، بعد أن خسرت أنصارها وتركها الجميع تعاني القتل والتنكيل، وتبعدها-للمعارضة- عن محاسبة التاريخ وخطايا من مات واغتصب وفقد أبناءه وما كان يملك.
قصارى القول: يبدو أن ملامح حلحلة، أو ربما تتمة للصفقة، بدأت تلوح بالأفق، وعلى غير صعيد ومكان، بعد صفقة هزيمة حلب، التي قادها "الأعدقاء" باقتدار، ربما الغائب الأبرز عنها، ما كانوا يسمون بـ"أصدقاء الشعب السوري" إن في واشنطن أو أوروبا، مع احتمال غير قليل، لضم الأصدقاء العرب، ليكتمل "النقل بالزعرور" كما يقول عامة السوريين .
فما إن حققت تركيا وروسيا مهمة إخراج المدنيين وبعض العسكريين، إلى "حلب الغربية" إثر الهزيمة الانتصار، وتسليم طهران بعضاً من كعكة الخراب استلمها ، قاسم سليماني، حتى بدأ الدخان الأبيض يخرج، عن الأطراف المعنية والمصادرة للقرار السوري، وعلى كلتا الضفتين .
رياض حجاب، منسق هيئة التفاوض قال من كوبنهاغن: إن الهيئة مستعدة للانضمام لمحادثات السلام التي يعتزم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين عقدها بالعاصمة الكازاخية الأستانة .
واستدرك حجاب، بشرط أن يكون هدفها تشكيل حكومة انتقالية "إذا كانت هناك نية لحل سياسي حقيقي لتشكيل حكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة فإن الهيئة تؤيد هذا الحل السياسي".
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يستعجل الحل، أو إرسائه على الأقل، بعيداً عن جنيف، مكاناً ومرجعية، قبل أن يخرج عن الرئيس الأمريكي ترامب، مالا يروق ربما، قال: نعمل عن كثب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمحاولة بدء سلسلة جديدة من محادثات السلام السورية بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد.
ليدلي الطرف الثالث بدلوه، عبر إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن لقاء بين تركيا وروسيا وإيران في 27 الجاري، في العاصمة الروسية موسكو بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في كامل البلاد وفتح مفاوضات حل سياسي.
إدخال إيران التي تحتل بدورها جزءاً من سوريا، على خط الحل، صدر عن الرئيس الروسي من اليابان، حين قال: "اتفقت مع الرئيس التركي على عقد مؤتمر في الأستانة عاصمة كازاخستان يضم المعارضة والنظام بمشاركة تركيا وإيران لبدء محادثات سلام تمهد لوقف إطلاق نار شامل في سوريا".
نهاية القول: إن قفزنا على الآهات ممزوجة بشارات استفهام وتعجب، قد تبدأ بمن اجتمع في اسطنبول من المعارضة قبل هزيمة حلب، ولماذا اتخذ هؤلاء مع أنقرة قرار الانسحاب، فقد لا تنتهي الأسئلة عند الصمت المريب، على ترك سوريا فريسة سهلة، يتقاسمها المحتلون بمنطق الاستقواء والأمر الواقع، بعد كل الإدعاءات والتوريط، العربي والأوروبي والأمريكي، للسوريين.
ولكننا سنسأل: ماذا يمكن أن تحقق محادثات كازاخستان للسوريين، إن غاب شرط إسقاط الأسد عن تصريحات منسق الهيئة العليا للتفاوض، حتى قبل أن يذهب إلى الأستانة؟!
من هي المعارضة التي ستكون إلى جانب هيئة التفاوض، والتي ترضى، أو بعضها، ببقاء بشار الأسد لأنه حامي الأقليات وضامن سوريا والمنتصر على الحرب الكونية؟!
لماذا الأستانة وليست جينيف ومرجعياتها، وبغياب الأطراف العربية والأوروبية، بل وضم إيران إلى محادثات السلام.
أعتقد أن الإجابة على تلك التساؤلات، وربما غيرها، يأتي من "الزمن".. ببساطة، لأن الأطراف جميعها، تدفع أثمانا باهظة مع مرور الزمن، وربما تتعاظم التبعات، إلى ما يفوق قدرة الجميع على التحمل.
السوريون بالداخل، يدفعون من جوعهم وبردهم وتعرضهم للموت كل لحظة، بواقع التخلي الذي لاقوه من الجميع، بل هم معرضون مع مرور الزمن، ربما لتمويت جماعي، بعد تأمين المسوّغ في إدلب.
بالقابل، يخسر الأسد وعصابته النفوذ والسيطرة، بواقع تنامي نفوذ المحتلين، وكلما استمر الزمن تضيق مساحة سيطرته، ربما إلى أقل من حي المهاجرين .
وكذا الأطراف الخارجية، فتركيا التي بدأت تدفع الثمن من اقتصادها، لا يغيب الإرهاب عن أراضيها، فبعد تفجيري بشيكطاش الأسبوع الفائت، حصد تفجير قيصري أمس، مزيدا من الأرواح.
وأما روسيا، التي وصلت إلى قمة النتائج الممكنة، بعد الاحتلال ونصب القواعد واتفاقات النفط والغاز، فربما تكونالأكثر حرجاً من تقادم الزمن، الذي سيجبر خط انتصاراتها البياني على النزول، ففضلاً عما قد يأتي من واشنطن التي يقودها ترامب، أرهقت الحرب في سوريا موسكو وأوقعتها بمستنقع خسائر اقتصادية وبشرية مفتوح، أوصلتها لإبرام اتفاق مع أنقرة، ينجيها من بقية الأثمان ويخرجها ولو قليلاً، من واجهة قتل حلم السوريين ومناصرة الديكتاتور الوريث على ثورة محقة .
إذن، ولأننا كسوريين نسعى لئلا نكون خارج الزمن، ربما من الحكمة السياسية اللعب عليه، ودخول مرحلة الثورة الجديدة، التي غدت حركة تحرر وطني ضد مستعمرين خارجيين، بشكل جديد، وسوريين جدد، عدا أؤلئك الذين شوهوا الثورة، إن بمؤسسات ومنابر السياسة، أو ساحات القتال، فالقبول بـ"نعم"، والتعامل من موقع المهزوم وقبول شروط المنتصر جريمة تبدد حقوق السوريين وحلمهم، كما إن الـ"لا " والقتال إلى آخر سوري، وخاصة من المستفيدين من استمرار القتال وغنائم الثورة، أيضاً جريمة، وما بينهما، قلنا ونعيد، تكمن السياسة وشراء الزمن.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية