بالأمس، هزّ تفجيران متتاليان، منطقة بشيكطاش قرب تقسيم وسط مدينة اسطنبول، بعد سويعات من انتهاء مباراة بين فريقي بشيكطاش وبورصة سبور، لئلا يساء فهم المفجرين، ربما، بأنهم يستهدفون الشعب، وإلا لزامنوا تفجير السيارة المفخخة، مع خروج المشجعين، وهم بعشرات الآلاف، ولتصل الرسالة كما هدف مخططو التفجير، أننا هنا وهاكم عربوناً باليوم نفسه، الذي تقدم به حزب "العدالة والتنمية " الحاكم، مقترح تعديل دستوري للانتقال إلى النظام الرئاسي تم إعداده بالتعاون مع حزب "الحركة القومية" اليميني المعارض.
وأتت الرسالة، بعد هزة اقتصادية طاولت الليرة، لم تزل تركيا والأسواق تعاني تبعاتها، ولم يفلح استنهاض الشعب أو حتى تبديل المدخرات، رغم أن الرئيس، رجب طيب أردوغان، بدأها بنفسه، بل عاودت الليرة إلى ما كانت عليه، لتخسر أكثر من 20% من قيمتها، خلال العام الجاري.
والرسائل تتالى، بالتزامن من طرق "درع الفرات" باب الباب بريف حلب، واستمرار خنق تنظيم الدولة "داعش" واستمرار المواجهات التركية مع حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" بعد هدوء استمر لخمس سنوات على خلفية اتفاق السلام الذي وقع في ديسمبر 2012، وربما من مرسلين آخرين، لهم علاقة بإعاقة تنمية تركيا ووصولها لحلم 2023، سواء في سوريا الأسد أو في طهران الملالي، أو حتى في أوروبا وأمريكا.
وربما، تزيد الرسائل- وهنا لا نتهم جهة بل نوصف حالة عامة- كلما اقترب التعديل الدستوري، ولعل أبلغها ما قاله، كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري: " لا يعترف حزب الشعب الجمهوري بالاستفتاء المحتمل فيما يخص الدستور الجديد والنظام الرئاسي، حتى وإن بلغت نسبة التصويت 98 % لصالح الدستور الجديد".
ليأتي الرد وربما بأكثر مباشرة، على لسان رئيس حزب العدالة والتنمية، "بن علي يلدرم": "من لا يعترف بالشعب لا يعترف الشعب به ".
قصارى القول: تقدم أمس حزب العدالة والتنمية، بمسودة التعديلات الدستورية للبرلمان، بعد أن توافق مع حزب الحركة القومية، لتبدأ معركة داخلية بتركيا، طرفها الأول الحزب الحاكم منذ نهاية 2002 و تصميم الرئيس أردوغان على الانتقال للنظام الرئاسي، والوصول إلى حلمه بتأسيس "الجمهورية الثانية" وطرفها الثاني، معارضون وفي مقدمتهم "حزب الشعب" بالعلن، وبقايا "التيار الموازي" بالسر، الذين أيضاً قالوا "نحن هنا" خلال الهزة النقدية التي ألمت بالليرة، ولم تزل، وربما أطراف أخرى، أصيلة أو تعمل بالوكالة لصالح غيرها.
مسودة التعديل التي تتضمن 21 مادة بالدستور التركي، تطاول بعضها قوانين الانتخابات، حيث سيتم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد كل خمس سنوات، كما يمنع رئيس الجمهورية من الترشح لأكثر من دورتين انتخابيتين، ولكن تمنح التعديلات الدستورية البرلمان التركي الحق في إصدار قرار بتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمدة عام واحد في وقت الحرب.
وربما ما يثير حفيظة مناهضي التعديل الدستوري والتحول للنظام الرئاسي، بعض ما جاء في مقترحات التعديل، كذاك الذي يطاول المادة 104 من الدستور التركي، والتي تقترح منح رئيس الجمهورية جميع الصلاحيات التنفيذية، إضافة إلى منصبه قائداً أعلى للجيش والقوات المسلحة، بما فيها تعيين نواب له والوزراء وإقالتهم، وتعيين السفراء في الدول الأجنبية وقبول سفراء الدول الأخرى، وتوقيع المعاهدات الدولية ونشرها، وتحويل قوانين التعديلات الدستورية التي يراها مناسبة للاستفتاء الشعبي، واستخدام القوات المسلحة التركية في حال استدعت الضرورة، وأيضاً تخفيف محكومية السجناء من المرضى بأمراض مزمنة أو المعاقين أو لأسباب هامة أخرى، وكذلك بإصدار العفو عنهم.
وكل ذلك يعني نقل معظم الصلاحيات إلى رئيس الدولة، والذي يحق له، بحسب التعديلات المقترحة، إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد لمدة ستة أشهر، ورد القوانين التي يقرها البرلمان عند الضرورة وإعادتها للمناقشة مرة أخرى في البرلمان، و إصدار المراسيم التشريعية على ألا تمس الحقوق والحريات الرئيسية الموضحة في الدستور.
نهاية القول: ربما يقتضي الإنصاف، الإشارة إلى أن تعديل الدستور التركي، الذي يمكن وصفه بغير المدني، هو مطلب تركي عام، ربما منذ أربعين عاماً، وبلغ المطلبية للأحزاب الكبرى، منذ إصلاحات 1982، مع الإشارة إلى أن ما يطلبه هذا الحزب بالتعديل، قد لا يتوافق مع مساعي ذاك، علماً أن الأضداد يتهمون بعضهم بالسعي إلى الديكتاتورية.
بمجمل الأحوال، ستدخل التعديلات الدستورية، إن تمت، حيز التنفيذ، بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2019، ليبقى السؤال حول كيفية تمرير التعديلات واحتمالات رفضها، فعدم الحصول على موافقة ثلثي النواب بالبرلمان "367 عضواً" سيحول التعديلات لاستفتاء عام، شريطة موافقة 330 نائباً على التعديلات وتحويل رئيس الدولة التعديلات للاستفتاء.
وربما، ضَمنَ حزب العدالة والتنمية الحاكم، على الأقل، إمكانية طرح التعديلات للاستفتاء، بعد التوافق مع حزب "الحركة القومية" الذي ينتمي 52 نائباً له بالبرلمان، فضلاً عن 317 نائباً لحزب العدالة والتنمية.
ما يعني، عودا على بدء، التوقع باستمرار محاولات الانقلاب بتركيا، اقتصادياً واجتماعياً على الأقل، حتى يستوي الوضع الداخلي ويخمد أوار النيران المندلعة بالشرق الأوسط، التي اتخذت تركيا منها موقفاً صارماً، لم تغيره كثيراً، الليونة والتردد بعد التقارب مع روسيا وإسرائيل، أو يخرج دخان أبيض من البيت الأبيض، بعد وصول الرئيس ترامب في يناير المقبل، للسلطة، وتعود تركيا لحلفاء الأمس ولمشروعها التنموي، الذي لا يروق لكثيرين، وصولها لنهايته بحلول مئوية تأسيس الدولة الأولى التي يسعى الرئيس أردوغان لتكون بداية للجمهورية الثانية في عهده.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية