سماؤنا محصنة، إنها أنظمة قوية جدياً، مفاجأة لجميع الأجسام الطائرة.. غيض من فيض التعبيرات التي درج الإعلام الروسي –وما زال- على استخدامها، وهو يتحدث عن منظومة "إس 300" للدفاع الجوي، بوصفها نموذجا من نماذج التفوق الحربي لموسكو، و"معجزة" تصعب مضاهاتها.
ولكن ما يطرحه الإعلام الروسي، بل يصوره أحيانا على الشاشات، يختلف بشكل جذري تماما عما يحدث خلف الكواليس، وما ترصده العدسات الخفية إن صح التعبير.
ففي صيف هذا العام، وتحديدا 31 يوليو/ تموز إلى 7 أغسطس/ آب، استضافت موسكو ما يمكن تسميته بـ"أولمبياد عسكري"، تضمن مسابقات بين 6 فرق من 4 بلدان، هي: روسيا، بيلاروسيا، الصين، كازاخستان.
وجرت هذه المسابقات العسكرية، على ميدان الرماية والتدريب في "أوشولوك" بمقاطعة "أستراخان" جنوب روسيا، وقد تم تخصيص فقرة رئيسة منها للتنافس في منظومات الدفاع الجوي، وتحديدا منظومتي: "إس 300، بي إس" و" إس 300 بي أم فافوريت"، وهما من أحدث نسخ "إس 300" وأكثرها تطورا في المواصفات.
وخلال تلك المسابقة التي سميت "مفاتيح السماء"، وأثناء استعراض قدراتها وعضلاتها العسكرية، تلقت روسيا ضربة موجعة ومخزية، بحضور كبار الشخصيات العسكرية، من بلدان عدة، عندما فشل إطلاق أحد صواريخ "إس 300" فشلا ذريعا ومثيرا للشفقة، وسقط بعيد إطلاقه بـ3 ثوان؛ ليهوي فوق منصة الصواريخ وطاقمها، مسببا انفجارات ضخمة، وفق ما رصد شريط مسرب، تم نشره مؤخرا.
وأظهرت صور مسربة التقطت لمكان الحادث، كيف دمر الصور الذي فشل إطلاقه منصة الصواريخ، التي تقارب كلفة إنتاج الوحدة الواحدة منها 150 مليون دولار، بينما تفوق قيمة الصاروخ الواحد منها مليون دولار.
*تطابق
بدورها، "زمان الوصل" قامت بعملية بحث وتحليل ومقارنة معمقة لما ورد في الشريط والصور المسربة، ووصلت بناء على دلائل قطعية، إلى استنتاج يؤكد أن الحادث وقع في ميدان "أوشولوك" جنوب روسيا، وأنه حدث خلال مسابقة "مفاتيح السماء"، وأنه أصاب بالفعل منظومة صواريخ "إس 300" التي كانت تشارك في تلك المسابقة.
واستخرجت "زمان الوصل" مجموعة من الصور العائدة لـ"وزارة الدفاع الروسية"، والملتقطة من أرض مسابقة "مفاتيح السماء"، حيث قامت الجريدة بمضاهاة (مقارنة) هذه الصور مع ما ورد في المقطع واللقطات المسربة، فتبين لها التشابه الذي لا تخطئه عين.
وتضمن التشابه أو التطابق، شكل العربة والأرقام المدونة، والأرضية المفروشة تحت المنظومة وتضاريس المكان.
وليس ذلك فحسب، بل إن "زمان الوصل"رجعت إلى مجموعة من المقاطع التي تظهر عمليات إطلاق "إس 300" من ميدان "أوشولوك"، لتتحقق بشكل قاطع من أن الحادث وقع في ذلك الميدان تحديدا، وأصاب منظومة صواريخ "إس300" وليس غيرها.
*المركز الأول
رغم أن إنتاج "إس300" يعود لعقود خلت (منذ 1978 في عهد الاتحاد السوفيتي)، فإن روسيا تحت قيادة "بوتين" أصرت خلال السنوات الأخيرة على تسويق المنظومة وكأنها "فتح" جديد، وأمر خارق يصعب محاكاته.
واستفادت موسكو في تسعير دعايتها لهذه المنظومة من مختلف التوترات التي شهدها العالم، والمنطقة خصوصا، لاسيما في إيران وسوريا.
ففي إيران، لعبت روسيا دور "يتمنعن وهن الراغبات" بجدارة في وجه طهران، وماطلت بتسليمها المنظومة عدة سنوات، متذرعة –أي موسكو- بـ"احترامها" للعقوبات الدولية، ما جعل "كيل" طهران يطفح فرفعت شكوى على حليفتها للمطالبة بتنفيذ العقود.
وخلال هذه السنوات، لعبت موسكو ببراعة أكثر على تعديل شروط وأسعار الصفقة، إلى أن أعلنت طهران بزهو يوم 5 كانون الثاني/ديسمبر 2016، عن تسلمها كامل منظومة "إس 300".
وفي سوريا، كذلك لعبت روسيا دورا مشابها ولكن بخطوات مغايرة، لتعلن خلال تشرين الأول/أكتوبر عن نشر منظومة "إس 300" في الساحل السوري، "حماية" لقواعدها الموجودة هناك، كما قالت، وليس "حمية" للنظام ولا "دفاعا عن سوريا" كما أشاع النظام وموالوه، الذين خيبت التطورات اللاحقة آمالهم، حيث كان الطيران الحربي من مختلف الأشكال والجنسيات "ينتهك السيادة الوطنية" دون أن ينطلق حتى تحذير روسي باستخدام "إس 300" أو "إس 400"، ناهيك عن استخدامهما فعلا.
وفي الوقت الذي كانت موسكو تفاخر بأن منظومات "إس 300" تحمي سماءها وسماء بيلاروس وإيران وسوريا، كانت موسكو تعاني الأمرين لـ"لملمة" فضيحة إنتاجها الحربي، الذي "أهين" في "ميدان" أوشولوك.
ولكن المثير لأعلى درجات السخرية، أن تعلن موسكو فور انتهاء مسابقة "مفاتيح السماء" أن فرقها المشاركة أثبتت "حسن تدريبها ودقة تعاون أفرادها وتمكنت من إصابة كل الأهداف"، وأن تذهب أبعد من ذلك فتعلن أن العسكريين الروس فازوا بالمراكز الأولى في مسابقات أنظمة الدفاع الجوي "إس300 بي إم فافوريت" و"إس300 بي إس"، دون أن يعلم أحد كيف تم احتساب هذه النتيجة، ليبقى السؤال معلقا ومثقلا بعلامات التعجب: إن كان من فشل في إطلاق صاروخ ضخم ودمر منظومة باهظة الثمن قد حصل على المركز الأول، فما بال من حصلوا على المراكز التالية؟!
*ماض "مجيد"
واعتاد الروس، لاسيما المجاورين لميدان "أوشلوك"، على رؤية حوادث فشل أسلحة بلادهم، وسماع الأخبار التي تنقل صدى الكوارث من هناك، ففي 20 حزيران من هذا العام أقرت السلطات الروسية بانفجارات عنيفة جرت في "أوشولوك"، حيث اشتعلت النار في محركات صاروخية تستخدم لوضع المركبات الفضائية في مدارات منخفضة حول الأرض.
وامتدت النيران إلى مستودع للذخيرة محدثة انفجارا ضخما ومخلفة كتلة لهب مرعبة، وتم إجلاء مئات الأشخاص من المنطقة على إثرها.
وفي إحدى تجارب الصواريخ في "أوشولوك" انطلق صاروخ بشكل تلقائي؛ ما أدى إلى مصرع ما يقارب 8 من العسكريين الروس.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية