سآتي بسرد سريع ومقتضب، على ثلاث قصص، جرت معي وأنا أهم لكتابة هذه المقالة، وهي حالات تواجهنا يومياً وإن بأشكال وأبطال مختلفين، علّ منها بعض عبر، ومن ثم أحكي لكم مافعل الأسد بالبشر، بعد أن تعدت الخسائر المالية لحربه على الثورة، كل خسائر الحرب العالمية الثانية.
القصة الأولى: اتصل قريب يطلب إليّ أن أدفع 800 دولارا أمريكيا لشاب سوري، كي يؤمن له دخول أبويه إلى تركيا، وهذا المبلغ هو أولي أو عربون، لأن كامل المبلغ، نحو 4000 دولارا.
بعد مهاتفتي للطرف الآخر، تبين لي، ربما بحكم السن وما مرّ على رأسي من تجارب، أن الشاب محتال ونصاب، فمن خلال تكرار السؤال بطرائق مختلفة، اتضح اختلاف الإجابة، لدرجة شبه اعترافه بأنه محتال.
الخلاصة من هذه "السولافة ".. أين وصلنا كسوريين، نحتال على بعضنا ونأكل لحم بعضنا ونخن ونخدع ونكذب، وبعدها نجلس ونوزع تهم فشل الثورة على روسيا والسعودية وتركيا وأمريكا.
القصة الثانية: اتصل قريب يطلب إلي مساعدة لإخراجه من سوريا، بعد أن حكم فصيل "جند الأقصى" عليه وأقرانه من فصيل "أحرار الشام " بالمحاكمة التي تمهد ربما للقصاص والموت.
بعيداً عن سرد الخلاف بين هذين الفصيلين في محافظة إدلب، أو تبني موقف هذا وتجريم ذاك، ما أردت إيصاله من هذه "السولافة" إلى أين وصل المقاتلون على الأرض، ومن بات عدوهم، وكيف تحولت الثورة إلى استقواء وثأرية وبسط نفوذ وسيطرة.
وأما الحكاية الثالثة، فهي أشد إيلاماً، تتعلق بأسرة سورية وصل الخلاف فيما بين أفرادها، لأن يضرب الابن أباه ويتوعد الإخوة لبعضهم بالقتل والمحاسبة، على نحو لم أشهده بين أعداء.
والخلاصة من هذه "السولافة" أن الحرب فككت حتى الروابط الأسرية الضيقة، وأذهبت ما كان لدى السوريين من احترام ومحبة ورحمة، حتى لأبيهم وإخوتهم.
قبل أن أنتقل للمستوى الثاني- أثر جرائم الأسد- سأقول، أكيد هذه حالات وليس القصد منها التعميم أو بث مزيد من الاحباط واليأس في دواخل السوريين، لكنها بدأت تتعاظم وتتفشى، وعبر مستويات تدّعي السياسية والنخبوية، وإن أخذ الغدر والكذب والاحتيال، طرائق راقية مدهونة بتثاقف ودبلوماسية .
قصارى القول : أن تأتي حرب بشار الأسد وعصابته الحاكمة والمستفيدة، على خلق إعاقة جسدية لنحو 2.8 مليون سوري، وفق آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ويبلغ عدد الأطفال الذين وعوا الحياة خلال الصراع نحو 2.9 مليون، ويصل عدد الأطفال الفقراء 7 ملايين، منم 1.4 مليون منقطعون عن الدراسة، فهذا يستدعي العودة لـ"سوالفنا " الآنفة، والسؤال: هل هذا الواقع يبرر تغيير الشعب وسعيه للحلول الفردية والخلاصات الشخصية، ولو عبر الكذب والاحتيال؟.
وإن تابعنا بالتقرير الأممي، لنعرف أن من هم بحاجة لمساعدة بسوريا، بلغوا 13.5 مليون نسمة، بعد نيف وخمس سنوات من حرب الأسد، التي تحولت لعالمية، على الثورة والسوريين، 5.8 مليون منهم من الأطفال، مضاف إلى تلك الأرقام التي تبعث على الاحباط، حتى لعودة السوريين إلى ما كانوا قبل 2011، مليون قتيل ومثلهم تحت الحصار، وعيش 3.9 مليون شخص في مناطق يصعب الوصول إليها، واضطرار 6.3 مليون شخص لترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سوريا، لنصل لنسبة عامة، أن نحو 85 بالمئة من الشعب السوري يعيش ضمن خط الفقر .
فهل كل هذا يبرر ما آل إليه حال السوريين، من ترهل ومتاجرة بالثورة وببعضهم، ليؤمنوا "خميرة " تكفل لهم العيش إلى أقصى حد، بواقع شبه تلاشي الآمل، القريب على الأقل، بعودة سوريا أو عودتهم إليها.
خلاصة القول: أعتقد أن كل ذلك، بل وغيره من قتل وتمذّهب وتعظيم الثأرية، لا يبرر لأي سوري أن يتكالب ويفقد صفته الإنسانية والأخلاقية، وأن يزيح عن شعارات الثورة الصوفية، وقت قادها النبلاء وطالبوا بالحرية والعدالة وسيادة القانون.
بل أعتقد أيضا، أنه يمكن قراءة السؤال معكوساً، بمعنى: بما أن الشعب السوري، أو معظمه أو جله أو حتى بعضه، وصل إلى هكذا درك من الانحطاط، فهل من أمل يمكن تعويله، ليس على النصر على نظام عرف عبر بيعه كل شيء ليضمن البقاء، بل حتى على الحلم للعودة لسوريا وللسوريين الآدميين.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية