ما أصعب أن تكون أبا بعيدا ..!!.. فؤاد عبدالعزيز*

في منتصف العام 2013، كنت أتحدث أمام مجموعة من الطلبة الفرنسيين في أقصى الجنوب الفرنسي، عن الثورة السورية وجرائم النظام وتدميره للمدن وتهجيره للسكان، إلا أنه بعد ساعتين من الحديث لم يتفاعل معي أحد ولم يظهروا أي اهتمام بالموضوع، في نهاية المحاضرة، وكنت قد بدأت أشعر بالفشل، وقفت إحدى الفرنسيات التي أمضت المحاضرة وهي " تتشفتر" مع زميلها، وسألتني: هل أسرتك معك هنا في فرنسا..؟
فقلت لها: لا ليست معي .. هم في الأردن ولم أر أولادي منذ خمسة أشهر.. وهو أمر يزعجني كثيرا.. فما أصعب أن تكون أبا بعيدا..!!
ما إن انتهيت من قول هذه العبارة، حتى ضجت القاعة بالبكاء، شبابا وصبايا.. فتوجهت أنظار المشرفين على المحاضرة نحوي وعيونهم تكاد تقول لي: ماذا فعلت... ؟ لقد أتيت أمرا جللا يا هذا.. !!
لكني حصدت تعاطفا كبيرا بعد نهاية المحاضرة، لقد التف الجميع حولي وأخذوا يعتذرون أنهم لم يهتموا لكلامي وراحوا يستفيضون بالأسئلة عن الثورة السورية وجرائم النظام وما يتعرض له الأطفال من قتل وتهجير.
بصراحة لم أتوقع أن أكون أنا الرسالة وليس ما أقوله وما أنقله..بمعنى آخر، شعرت بأنني قد أكون نموذجا حيا للمأساة السورية كان يجب علي أن استخدمها.. لهذا كتبت مرة، في أعقاب مجزرة الكيماوي على الغوطة الشرقية، أنه على معاذ الخطيب، الذي كان رئيس ائتلاف، أن يخرج الآن على وسائل الإعلام ويبكي، وأن يصرخ بأعلى صوته: شعبي يباد، وذلك من أجل أن يتعاطف معه الرأي العام الشعبي على الأقل.. وقلت له: الأمر ليس بحاجة لصلاة استخارة يا شيخ ...!! ألم يفعلها المرحوم رفيق الحريري عندما دار عواصم العالم الكبرى لإيقاف العدوان الاسرائيلي على بلده في أعقاب مجزرة قانا..؟
كل قادة الثورات عبر التاريخ الذين نالوا تعاطفا كبيرا من الجماهير وحفروا أسماءهم في وجدان شعوبهم والشعوب الأخرى، كانوا يمثلون المأساة في سلوكهم ولباسهم، وحاولوا تقديم أنفسهم على أنهم مناضلون، مثل غيفارا وياسر عرفات وعبد الله أوجلان .. إلخ.
بينما لو استعرضنا قادة الائئلاف منذ الشيخ معاذ الخطيب وانتهاء بأنس العبدة، لوجدنا منذ البداية أنهم اختاروا أن يكونوا آباء بعيدين عن شعبهم وعن ثورتهم، عندما استقروا في تركيا، كانوا صورة مختلفة تماما عن الثورة، لا تمثل أبدا عظمتها، وهو برأيي كان أحد الأسباب التي دفعت الدول لكي تتلاعب بهم وبالثورة، بحسب مصالحها.
أتذكر في شهر آذار من العام 2013، أنه كاد أن يشتبك السوريون فيما بينهم، حول الاحتفال بتاريخ انطلاق الثورة، هل هو في 15 آذار، عندما اعتصم بعض المعارضين أمام وزارة الداخلية، أم في 18 آذار عندما انتفض أهالي درعا، يومها أدخلني أحد الأصدقاء إلى اجتماع على (سكايبي) مع معاذ الخطيب، وكان الهدف منه أن يتدخل الائتلاف ورئيسه لحسم هذه المسألة.
هل تعلمون ماذا كان رد معاذ الخطيب، لقد قال يومها، إنه بالنسبة له يعتبر أن تاريخ انطلاق الثورة السورية، هو حادثة الحريقة في شهر شباط من العام 2011، التي اعتدى فيها شرطي على أحد التجار وتجمع الناس على إثرها وراحوا يصرخون: "الشعب السوري ما بينذل"، ثم حضر وزير الداخلية، وتم تهدئة الأمر.
لقد فشلنا جميعا أن نكون رسلا لثورتنا العظيمة، وأكبر اعتصام اليوم أو مظاهرة في الدول الأوروبية، لا يحضرها أكثر من 10 أشخاص في أحسن الحالات، رغم أن أعداد السوريين في تزايد مستمر، بينما بنفس الوقت لو تابعنا دعوة لاعتصام أو مظاهرة من قبل المعارضة الإيرانية أو الأكراد أو حتى المعارضة الافريقية، سوف نجد آلافا يخرجون فيها، مع تنظيم عالي المستوى.
وأما على المستوى الرسمي، فإن أعداد من باتوا يعرفون اسم رئيس الائتلاف من أبناء الثورة، يتناقصون بشكل مخيف، وكثيرون اليوم لم يعودوا يتذكرون أن هادي البحرة كان رئيسا للائتلاف على سبيل المثال، لسبب بسيط أنهم لم يتركوا أي أثر ولا على أي مستوى ... وحتى معاذ الخطيب الأكثر شهرة بين رؤساء الائتلاف، لولا نهفاته التي كان يخرج بها بعد صلوات الاستخارة، لما تذكره أحد.
خلاصة القول: ما أصعب الثورة التي يكون آباؤها بعيدين عنها.. أو أنهم آباء غير شرعيين لها.. !!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية