من الحماقة، أو اللاسياسة على الأقل، وصف نظام بشار الأسد بالغبي وأفعاله بالاعتباطية أو غير المدروسة، طبعاً بعد استبعاد الوطنية عن التقييم، لأن الرجل إن صح الوصف- لم يأخذ سوريا ومن فيها وعليها، بأي اعتبار، بل رأى بالثورة ومنذ خطابه المخيّب بمجلس الشعب، أنه أمام معركة وسيخوضها إن تطلب الأمر، قبل أن يكشف ومن حوله، عن نظرتهم للثورة والثائرين، على أنهم إرهابيون ومتطرفون وجراثيم... أو كرعايا بأحسن الأحوال، ليس من حقهم أن يقوموا على ولي نعمتهم و"ربهم" بشار الأسد.
لو عدنا بالذاكرة إلى أهم محطات تحول الثورة السورية، وكيف استفاد رئيس النظام من جرائمه، بطريقة، ربما لم يعِها معظم السوريين وحتى من ادّعى نصرتهم، إلا متأخرين.
وسأبدأ بأوجع وأفظع جرائم الأسد، وإن ليست بالترتيب الزماني للتحوّل، وكيف استفاد منها على نحو غيّر من كل مسارات الثورة ونظرة وتعاطي العالم معها، وهي جريمة ضرب أهل غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي في 21-8-2013 والتي راح ضحيتها نحو 1228 قتيلا خنقاً.
تلك الجريمة، وعلى هولها، كانت النقطة الأهم في تحول الثورة السورية، لما يخدم نظام الأسد، لأنها ببساطة، أعادت له الشرعية، بدل أن تحوله لمحاكم الجنايات الدولية.
وليس من الصعوبة العودة بالذاكرة، إلى ما قبل جريمة الغوطة، وكيف كان العالم، وعلى رأسهم إدارة باراك أوباما، تطالب الأسد بالرحيل بعد أن أسقطت عنه الشرعية، بيد أن جريمة الكيماوي، حولت الاهتمام وأنظار العالم، من المطالبة برحيل الأسد الذي قمع ثورة السوريين بالنار والحديد، إلى تسليم سلاح الجريمة وتجاهل معاقبة المجرم، ليستعيد النظام الوريث شرعيته عبر قتل السوريين خلال واحدة من أبشع جرائم العصر الحديث.
أما أولى خماسية الأسد، التي لعبها بخبث وحولت من صيرورة الثورة، فكانت العفو الذي أصدره منتصف 2011 ليخرج بموجبه، من يعرف نظام الأسد تطرفهم، بل ويشرف على تدريبهم أو بعضهم على الأقل، بعد أن أمن لهم وهم بسجن صيدنايا، كل المستلزمات، من كتب وأدوات ولقاء الأحبة، في خطوة أضفت على الثورة السورية، صفة الإسلامية، ليحصد الأسد نتائج تلك التهمة التي دبرها بعناية، لثورة بدأت سلمية وصوفية ومشروعة.
لتأتي وبالتوازي، خطوة التسليح، عبر ترك بعض شرطة الأسد وجنودهم الأسلحة كغنائم سهلة للثوار، أو غض الطرف عن وصول الأسلحة بعد أن دخلت الثورة بطور التسليح، أو بيع ضباط الأمن والجيش الثوار أسلحة، ضمن حالات موثقة ومعروفة لدى السوريين، ليتم قلب الثورة من مظاهرات شعبية سلمية، إلى حرب أهلية مسلحة.
وأتت الخطوة الأدهى، والتي مرت على معظم الثوار والسوريين، بل وأكسبت بعض الثورة حلة الدموية والثأرية، والتي تجلت بتسريب مقاطع فيدو التعذيب والشتم والقتل بدم بارد، ليس للمعتقلين والثوار فحسب، بل ولسوريين براء لا ذنب لهم، سوى انتمائهم المناطقي أو الروحي.
ولا ينسى السوريون تلك لمقاطع التي تجبر السوريين على السجود لربهم بشار، أو قتل السوريين على أيدي جيش الوطن، بطرائق حيوانية لم يشهدها التاريخ.
هذه الخطوة خلقت الثأرية وكرست من الطائفية، وأخص، إثر عمدية النظام تسريب المقاطع وما يرافقها من أقوال وبلهجة سورية تدلل على جغرافية الجاني، ليستفيد أيضاً الأسد من تلك الجرائم، بدل أن توثّق ويحاسب وفاعلوها، من خلال وسمه الثورة السورية بالإسلامية والطائفية، ولعل في مشهد خالد الحمد "أبو صقار" في مايو 2013 وهو يأكل قلب جندي أسدي، خير مثال على تشويه الثورة واستفادة بشار الأسد من تحولاتها، وقت نشرت كبرى الصحف العالمية الحدث والصورة واستشهد بها زعماء عالميون كثر، في مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وخامس ألاعيب بشار الأسد، هذا إن استثنينا مطبات التفاوض وجولات جينيف وما سبقها وتلاها، والتي أيضاً شرعنت بقاء الأسد، عبر الاعتراف به كرئيس لسوريا، تأتي لعبة الحصار والتمويت جوعاً، والتي حولت الثورة من مطالب شعب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلى قضية جوع ومساعدات إنسانية.
بل ووقع العالم بأسره، عمداً أو سهواً، بذلك المطب، وبدأت المساعي الدولية تنصب على كيفية إيصال إكسير البقاء للسوريين والتوسل للأسد ليسمح بوصول قوافل المساعدات، أو يوقف قصفه للمدنيين لأيام.
نهاية القول: لم يزل بشار الأسد، يمارس اللعبة ذاتها حتى اليوم، ولعل في التآمر الدولي على السوريين وثورتهم، هو الغطاء الذي يدفع بنظامه، ليلدغ السوريين مراراً، ومن الجحر ذاته، وما يشاع عن مؤتمرات بالداخل أو إحياء جولات التفاوض بالخارج، تصب في الهدف نفسه، فتحول القضية من ثورة على نظام وراثي ديكتاتوري، لحوار وتفاوض، واقتسام السلطة كأقصى الاحتمالات، بين طرفين متصارعين.
لا أعتقد من الترف بمكان، إن رفض السوريون كل العروض المضللة، بل وعادوا إلى محطات إجرام الأسد خلال الثورة، لأن المشي بطريق التنازلات وأكل كل تلك الصفعات غدراً، سببت، مع عوامل أخرى كثيرة، بتكريس نظرة العالم، أن ما يجري بسوريا، هو حرب نظام شرعي على الإرهاب والتطرف، وخاصة أن بعض رياح بدأت تهب في صالح السوريين اليوم، قد يكون إقرار الكونغرس الأمريكي لقانون "سيزر" مقدمة لها.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية