لم يبق كاتب ولا محلل سياسي ولا حتى صاحب حساب على موقع "فيسبوك" إلا وأدلى بدلوه في تفسير ما آلت إليه الانتخابات الأمريكية وما سيترتب على تولي دونالد ترامب سدة الحكم في واشنطن من تغيرات في السياسة الدولية.
ولعل ذلك أمر مشروع مع توفر مساحة واسعة للتعبير في العالم الافتراضي المجاني، كما أن سيد البيت الأبيض هو الحاكم الحقيقي لثلاثة أرباع العالم إن لم يكن أكثر، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الرجل محل نقاش الصغير والكبير و"المقمط بالسرير".
وبما أن السوريين، معارضين ومؤيدين ورماديين ولاجئين، باتوا أكثر حساسية تجاه أي حدث يحصل في العالم لاعتقادهم أنه سيؤثر على حياتهم بشكل مباشر، فإن عرجت حمارة في المكسيك اضطربت لها حمير سوريا، لذا هم أكثر من قدم رؤى وقراءات ونكات في ترامب وزوجاته وابنته ولم يسلم منها جده الذي قيل إنه سوري قبل أن تبين تقارير إعلامية أن جده من أصول ألمانية وأن سلسلة من بيوت الدعارة والمطاعم التي أسّسها الجدّ المهاجر "فريدريش" كانت وراء وصول العائلة إلى الثروة.
كثيرة هي النكات التي تناولت الانتخابات الامريكية، لكن أكثرها سماجة –من وجهة نظري على الأقل- ما جاءت في كتابات البعض عن أن الأحداث في سوريا والعراق هي ما دفع بالأجنحة اليمينية "المتطرفة" في بريطانيا وألمانيا إلى الصعود، وأن مشاهد الذبح ورجم النساء وبتر الأعضاء هي عبارة عن أصوات وضعت في صناديق ترامب الانتخابية، وفاتهم أن يشيروا إلى أن ترامب والمؤسسات المالية والفكرية التي تقف خلفه ووقفت قبل ذلك خلف بوش الابن عبارة عن جمعيات للدفاع عن البيئة!!.
لن نغوص كثيرا في التاريخ الذي ينتقي منه "يسار كاسة العرق" بعناية فائقة ما يريده، ويتجاهل ما يريده، لكن لا بد من إشارة سريعة إلى أن الغرب نفسه شهد اقتتالا دينيا وقوميا امتد سنين طويلة وتجاوزت أرقام ضحاياه ما شهدته منطقتنا عشرات الأضعاف، أما في التاريخ القريب فلم يكن المحيسني وأبو صقار قد وصلا بعد سن البلوغ عندما كان جورج بوش يدك العراق معززا بإيديولوجية اليمين المتطرف المستند إلى طروحات دينية عمرها أكثر من 2000 سنة.
هو ليس تسويغا للمحرقة التي تشهدها المنطقة، لكن أظن أن ساسة العالم المتحضر يتعامون عن طرف ويصبون جام على غضبهم على طرف ليزيدوا النار أواراً، وإذا كانت مشاهد الذبح البشعة جلبت اليمين المتطرف، فماذا كان على مشاهد أطفال مجزرة الكيماوي في الغوطة أن تجلب؟!!.
عزيزي المثقف، إن كان لابد أن توظف التاريخ والواقع في طروحاتك فوظفها بموضوعية..أو "بلا ما تبيض على الناس وخليك بكاسة العرق".
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية