أغلب الظن، أن سبب فوز الجمهوري دونالد ترامب على الديمقراطية هيلاري كلينتون، كان قرف، حتى الأمريكيين، من سياسات الكذب والتنصل التي اتبعها الرئيس باراك أوباما، ومن يدعي الحرية والثقافة والخبرة السياسية، على مدى ثمانية أعوام، وربما لم يصوّت الأمريكيون لترامب، بل صوتوا ضد كلينتون، رغم ما قيل عن ترامب وقاله، من عدم خبرة سياسية أو عمل بقطاع سياسي من ذي قبل، بل والخوف الذي لفّ العالم من وصوله للبيت الأبيض، إن لما تعلق بتصريحات عنصرية، بحق المسلمين والملونين، أو سخريته من القارة الأوروبية، أو حتى وعوده بتمزيق الاتفاقات التي وقعتها الولايات المتحدة، اقتصادية وبيئية كانت، أو حتى نووية كالتي مررها أوباما مع طهران، مقابل تسللها إلى أربع عواصم عربية.
قصارى القول: دونالد ترامب بات رئيساً للولايات المتحدة، لأربع سنوات على الأقل، رغم ما يحمل من صفات، وما قيل ويقال عنه من انفعالية وردود أفعال مباشرة، والخيارات قد لا تكون كثيرة أمام العالم بأسره، فإما الاستغناء عن الولايات المتحدة، وهذا محال للعالم جميعه، أو مواجهة ترامب إن تعدى على حدود هذه الدولة أو حنث باتفاق مع تلك، وهذا شبه محال نظراً لما تملكه الولايات المتحدة من قوة اقتصادية وعسكرية، أو الاحتمال الثالث، الأكثر إمكانية للتطبيق، وهو التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ولكن وفق نهج وخطة وأدوات جديدة، تتناسب مع التغيرات التي لا أظنها ستتأخر، حتى تظهر وتقلب جلّ ما بناه الرئيس القابع بالبيت الأبيض اليوم، حتى تنتهي مهلة ما يسمى بالبطة العرجاء.
وهنا، أعتقد من الضرورة الإشارة لأمرين اثنين، الأول، ذاك الخطاب الذي ألقاه ترامب، بعد إعلان فوزه ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، والذي بدا خلاله، عاقلاً ومتعقلاً ويسعى لأمريكا القوية ويكون رئيساً لكل الأمريكيين، على خلاف كل ما قيل وأشيع، حتى خلال حملته الانتخابية.
أما الأمر الآخر، فهو ما يقال، حتى ضمن أوساط المثقفين، من أن لا صلاحية للرئيس الأمريكي منفردة، بل الولايات المتحدة بلد مؤسسات ويحكمها "السي آي ايه" وربما "هوليود" كما يحكمها البيت الأبيض ومجلسا الشيوخ والنواب والرئيس.
وهذا الرأي، أعتقده خطأ أو غير دقيق على الأقل، ويكفي أن نقارن بين الدور الأمريكي منذ ريغان وبوش الأب بعده، أو بوش الأب وكلينتون، وصولا للفارق السحيق، وخاصة بالتعاطي الخارجي، بين بوش الابن وأوباما، التي يتشدق المتثاقفون بأنها -الاستراتيجية- ثابتة وموحدة ولا تتغير بتغير الرؤساء، إذ من البساطة أن نجد ملامح الرئيس وفريقه، أو ما قاله خلال حملته، على مجمل التعاطي الأمريكي، والخارجي على وجه الخصوص.
نهاية القول: ماذا سيفعل ترامب لسورية، هو السؤال الأكثر ترديداً بين أوساط السوريين، هل سيؤيد إعادة إنتاج بشار لأسد، بعد كل الجرائم والدم، على اعتبارات كثيرة، ربما ما يقال عن علاقته بالرئيس الروسي، أهمها، أم سيناصر السوريين، على الأقل بإيجاد منطقة آمنة ويوقف القتل، كما قال مرة قبيل الانتخابات، وهكذا من أسئلة لا تنتهي.
وهو ما أعتقده -السؤال- مطروح بالخطأ، لأن السؤال بصيغته الصحيحة يكون، كيف سيتعامل السوريون مع ترامب، كي يرد هو وإدارته، بتعامل وقرارات وربما أفعال لهم ولقضيتهم.
بمعنى آخر، هل سيقتصر دور المعارضة على أفعال الائتلاف المُقعد والبائس بجل من فيه وما يصدر عنه، ليستمر بسياسة التشكي والتسوّل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ويحملها مسؤولية عدم إسقاط الأسد وعدم تزويد المعارضة بأسلحة نوعية ومضادات طائرات، أم ستكون رسالة منسق الهيئة العليا للتفاوض رياض حجاب، للرئيس الأمريكي الجديد، كافية ووافية ويتم النوم بعدها على وسادة التعويل على أخلاق وضمير ترامب.
ربما، أو على الأرجح، ليس من عظيم أمل أمام السوريين، سوى ما سيتخذه الرئيس الأمريكي من قرارات حاسمة، بعد كل حالات التخلي، من الأصدقاء والحلفاء، بل وحتى ممن ادعى أنه ابن الثورة، فكان أول من أكلها، وما سيتخذه الرئيس الأمريكي وإدارته، لن ينطلق إلا من مصالح بلاده أولاً، ومما سيقتنع به إثر اللقاءات والمعلومات التي تحددها المصالح، ثانياً، كما أن الانقلاب بالمطلق، على كل ما فعله سلفه، أمر مستبعد لأنه سيكلف واشنطن ربما، مواجهة عسكرية لن تعود بالنفع على الأمريكيين، وإن كانت تُطرب الرغبويين بين صفوف المعارضة السورية.
أي، فكروا يا أيها السوريون في الوصول إلى البيت الأبيض قبل انتهاء "البطة العرجاء" عبر طرائق سياسية بعيدة عن النواح وعبر حوامل كفوءة وليس من خلال عاهات الائتلاف، فترامب رجل أعمال ويجيد عقد الصفقات، وسوريا فيها من الإغراء، فضلاً عن الجغرافيا وإعادة الإعمار، ما يستميل ترامب، وربما الأجدر بهكذا مهمات، هم رجال الأعمال السوريون، طبعاً إلى جانب ساسة ومحترمين، وإلا قد تكون فترة ترامب، أو بعضها، نهاية لأي حلم سوري بوطن وحرية وكرامة...وسرّاق الثورة جياع المال والضوء، الذين راهنوا فيما مضى على الدول الخطأ والأشخاص الخطأ والقرارات الخطأ، هم أول وأكبر المسؤولين.
*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية