شخصت عيون أهل حوران لمقتلة أبنائهم في الكتيبة المهجورة، حتى بدت وكأنها الأولى التي تحصل في تلك المنطقة، علماً أن المقابر لم تهدأ ليوم واحد منذ يوم الثورة الأول، وحصل من المجازر ما هو أقسى لجهة العدد ولجهة الكيفية؛ فلنظام الوريث وزبانيته من ميليشيات حزب الله وغيرها باع طويل في تنويع أشكال الإجرام، حرقا وتقطيعا وسلخ جلود، غير أن ما حصل في المهجورة بدا وكأنه صفعة لعموم المحافظة التي بات أهل الثورة يظلمونها أكثر من النظام نفسه، سواء عن سوء معرفة ودراية واندفاع عاطفي، أم عن قصد غير مفهوم وغير مبرر.
ولعل من المناسب وقبل أن أغادر هذه الفكرة، وهي أصلا طارئة على ما أريد إيصاله هنا، أن أشير لمسألة علمها الزملاء في "زمان الوصل"، فقبل نحو شهر وبينما كانت الحملة على أشدها من مناضلي فيسبوك على عموم أهل حوران، قضى نحو 40 مقاتلا من أبناء درعا وأسماؤهم موثقة وبينهم أكثر من 10 قادة في ريف القنيطرة الشمالي، ورأى الزملاء في حينه أن من الصواب عدم نشر الأسماء حتى لا تنعكس سلبا على المعنويات، هي ليست منّة على سوريا، فهؤلاء وغيرهم ممن حمل السلاح من أقصى جنوب الثورة إلى أقصى شمالها يدركون أنهم حملوا معه أرواحهم على راحتهم، إلا أن ذلك لا يعني ولا يبرر هذه الخسائر، وهنا لن أناقش خضوع فصائل المعارضة لأجهزة استخبارات الدول المجاورة ولغرفة الموك من باب التخوين، فالفصائل جلها، إن لم يكن كلها، وفي عموم سوريا، خاضعة بنسب مختلفة لقوى ممولة وممونة ومؤثرة ومتحكمة مكانها خارج حدود سوريا، لكنها بدون شك لا تتحمل مسؤولية الإطاحة بخيرة المقاتلين لعدم وجود خطة بديلة في حال تعرضهم لحصار، أو انقطاع خطوط الإمداد والمساندة عنهم خلال ساعات قليلة.
لست عسكريا، ولكن الخطة البديلة هي من ألف باء العسكرة، خصوصا في تلك البقعة "الكتيبة المهجورة" التي استنزفت من قبل أكثر من 200 مقاتل في معارك سابقة، علما أن هناك كثيرا من المواقع، كما يقول مقاتلون، أكثر أهمية من الكتيبة المهجورة، دون أن نغفل دور قوات النظام المتوجودة فيها في الحملة الأخيرة على مدينة داعل وبلدة أبطع.
لغرفة الموك في الجنوب، ولغرفة الموم بالشمال، ولأجهزة الاستخبارات تأثيرها المباشر في الشأن السوري شاء من شاء وأبى من أبى، لكن هل يحق لنا أن نحملها مسؤولية عدم توحد 3 فصائل في هذه البلدة أو تلك من بلدات حوران، وجميع عناصرها أبناء عمومة وأنسباء وجيران!.
قد نجد مبررات للفصائل الإسلامية في خلافها وفقا للمدرسة الفقهية التي ينتمون إليها، ولكن ما الذي يمنع التنسيق بين فصائل الجيش الحر!، ما الذي يمنعهم من خوض المعارك بقلب واحد، وهم من كانوا مضربا للمثل في العمل المشترك فيما بينهم، وكذلك مع الفصائل الإسلامية؟!
نعم دخل المال المسموم إلى جيوب البعض، واستهوى البعض الآخر تقمص حالة "أمير الحرب"، وبات الكثير من الأراذل في موقع القرار، وهمشت الكرامات وأخذت تتلاشى رابطة الدم، أقصد دم الشهداء، الذي شكل خلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة الرابطة الأقوى بين الناس، وبفقدانها بدأت معالم التفسخ المجتمعي بالظهور، معززا بالكثير من عمليات الاغتيال، وكل ذلك من شأنه أن يجعل ساحات مدن وبلدات حوران المكان الأنسب لمجازر مقبلة، يتوثب النظام وميليشيا حزب الله لارتكابها.
السيطرة على 70 % من مساحة المحافظة لا يعني أن المعركة انتهت، وسياسة الهدوء النسبي التي ينتهجها النظام، ما هي إلا سياسة آنية قد يكون سببها انشغاله بجبهات أكثر سخونة، تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية.
يحق لأهالي شهداء "المهجورة" وغيرهم، المطالبة بالثأر، ويحق لآخرين أن يطالبوا بإشعال حوران مهد الثورة والعودة بها إلى سابق عهدها، ولمن يحذر من الدخول في معارك لا جدوى منها سوى المزيد من الدمار والقتل أيضا الحق في تحذيره، فجبر الكسر لا يكون بالبدء بمعركة غير محسوبة النتائج وغير معروفة الهدف، وما تحتاجه المحافظة اليوم قبل الغد، مبادرات التنازل والتوحد والتحرك المجتمعي وإعادة روح الثورة التي لم تمت أصلا، فعلم النجوم الثلاث لم يعد يرفع إلا هناك، وإلا فإن الجميع سيكون خائناً لدماء المهجورة.. وإن كان من حل عسكري في سوريا في قادم الأيام فلن يكون إلا من هناك أيضا.. هكذا تقول الجغرافيا والتاريخ.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية