


يستذكر معظم السوريين الذين شاهدوا أعمال الفنان الراحل نهاد قلعي جملته المشهورة: "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل"، وعلى غرار هذه العبارة –التي تقطر سخرية- يبدو أننا إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في سوريا الأسد، فعلينا أن نعرف ماذا يجري في تركيا وإيران والصين، فضلا عن روسيا، وهذه الأخيرة ينبغي أن نعرف بالتحديد ماذا يجري في مواخيرها وأروقة مخابراتها، حيث تتشابه المعطيات والنتائج إلى حد كبير.
*حديث الصحافة التركية
لم يسبق لكثير من السوريين، وفي مقدمتهم الصحافيون أن سمعوا باسم الروسية "داريا أصلاموفا"، إلا قبل أيام قليلة، وتحديدا يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، عندما ظهرت أمامهم على الشاشة امرأة بشعر أحمر وفستان عار من الأكمام، لتجلس قبالة "بشار الأسد" في لقاء استمر نحو 40 دقيقة.
واللافت أن هذه "النكرة" لدى السوريين، كانت مدار حديث مجموعة من وسائل الإعلام التركية بدءا من 2012، بوصفها "العملية المتسللة"، ثم بوصفها صاحبة "الفضائح الجنسية"، وفقا لما رصدت "زمان الوصل".
ففي صيف 2012، ارتدت "أصلاموفا" الحجاب على الطريقة الدارجة بين فئة عريضة من السوريات، وتسللت إلى أهم معقل للضباط السوريين المنشقين في تركيا، وهو مخيم أبايدن، وهناك أكملت "خدعتها" بالاجتماع إلى "العقيد مالك الكردي"، الرجل الثاني في الجيش الحر ونائب قائده "العقيد رياض الأسعد".

ومنذ هذه التسلل الذي كشف ثغرات في مؤسسة الأمن التركي، لاسيما تلك المسؤولة عن حماية المخيم الحساس.. منذ تلك اللحظة بدأ بحث الصحف التركية في تاريخ "أصلاموفا" وارتباطاتها و"نشاطاتها"، ليتبين بالدلائل والصور أن "صحافية اليوم" ليست سوى فتاة خلاعة، تنتشر صورها العارية وشبه العارية على الشبكة.
وفي 2013، كانت "أصلاموفا" مادة دسمة لتقارير تناقلتها عنها الصحف التركية، تحوي "اعترافات" بأنها "تنام مع" من تجري معهم "اللقاءات الصحافية" من الرجال، ومن هؤلاء الذين قابلتهم "أصلاموفا" على سبيل المثال لا الحصر: رادوفان كاراديتش، نعيم قاسم، سيرجي لافروف، وأخيرا بشار الأسد.
ونقلت هذه الاعترافات على لسان صحافيين أتراك "التقوا" بها، وقد وصفها أحدهم بأنها "جميلة وجريئة"، مع التطرق إلى إقرارها بممارسة الرذيلة من أجل الصعود في سلم العمل والشهرة، ولكن ذلك كان في سن الشباب حسب تعبيرها، أما اليوم (سنة 2013) فهي سيدة متزوجة عمرها 44 عاما، ولديها بنت بعمر 18 سنة.
وفي سياق "اعترافاتها" أفصحت "أصلاموفا" عن ولعها البالغ باحتساء الخمر، إلى درجة أنها ترى شرب لترين من الخمر "أمرا عاديا"، وسنعرف لاحقا أنها كانت في حانة ملأى بالسكارى عندما وردها اتصال مكتب بشار الأسد لترتيب اللقاء.
"أصلاموفا" التي تقدم نفسها بوصفها المراسلة الحربية الأبرز في روسيا، لم تنس أن تقول ضمن "اعترافاتها" بأنها تعرضت للاغتصاب عندما كانت في الحادية والعشرين من عمرها، حيث خطفت على جبهة "ناغورني كارباخ" التي كانت مشتعلة بين أرمينيا وأذربيجان، وتعرضت للانتهاك الجنسي من قبل خاطفيها من الجنود الأذريين، حسب ادعائها.
ومما زاد اهتمام الصحافة التركية بالكشف عن هوية "أصلاموفا" الحقيقية، وجودها المريب في ميدان "غيزي" وسط اسطنبول، بحجة تغطية أحداث شغب واحتجاج، حركتها جماعات معروفة بانتماءاتها الطائفية والسياسية المناهضة لموقف تركيا من الملف السوري، فضلا عن علاقة "أصلاموفا" بزعيم الكيان الموازي "فتح الله غولن" وبالصحافيين التابعين لتياره.
"أصلاموفا" التي وصفها أحد الصحافيين الأتراك بأنها عن خلطة لكائن يملك الكثير من الجنس والقليل من الصحافة، زارت في خريف 2015 مواقع للمليشيات الكردية في سوريا وتحدثت عن عناصر هذه المليشيات بوصفهم "محاربون من أجل الحرية وضد الإرهاب".
*طوفان "الفجعانين"
ولدت "أصلاموفا" سنة 1969 في العاصمة الأرمينية "يريفان"، ويمكن وصفها بأنها فتاة خلاعة "مخضرمة" كونها عاصرت زمن الصور الإباحية بالأسود والأبيض ثم الملون، وهي إلى ذلك خريجة كلية الصحافة في جامعة موسكو، ومراسلة حربية جابت كثيرا من النقاط الساخنة في مختلف البلدان، وظهرت في بعض اللقطات وهي تحمل كلاشنكوف مذهّبة أو تتوسط جنودا ومرتزقة بفستان شبه عار لا يظهر منه أنه يعود لمراسلة عسكرية تريد استطلاع أحوال الجبهة (مرفق مقطع يوثق لحظات من زيارتها لإحدى جبهات النظام صيف هذا العام).
ولايقف سجل "الصحافية" الروسية عند هذا، فقد سبق لها الذهاب إلى لبنان وكتابة التقارير عن المليشيات والشخصيات التي تنخرط ضمن محور "المقاومة والممانعة"، ولـ"أصلاموفا" -مثلا- صور مع "نعيم قاسم" نائب زعيم مليشيا "حزب الله"، ومع "صفوان الزغبي" الذي يقدم نفسه بوصفه قطبا من أقطاب السلفية في لبنان، ولا يخفي تأييده لحزب الله وبشار الأسد.. ولكن المنشور من هذه الصور مع "قاسم" و"الزغبي" يُظهر "أصلاموفا" –وللأمانة- مرتدية غطاء رأس يشبه الحجاب.
في 2015 ، غيّرت المراسلة الحربية "جبهتها" قليلا واتجهت صوب مشكلة اللاجئين فكتبت سلسلة تحقيقات "صحفية" تنضح بالعنصرية بدءا من العنوان الرئيس "2015 عام غزو أوروبا"، وانتهاء بالعناوين الفرعية من قبيل: "نهاية العالم القديم، أوروبا مغمورة بطوفان من المهاجرين النهمين (الفجعانين بالمعنى الأكثر التصاقا)".
وفي ثنايا تقاريرها تلك بثت "الصحافية" ما لايحصى من إشارات الكراهية والتحريض، مثل التعريض بحجاب النساء اللواتي يملأن البلدات المسيحية، واللاجئين الذين يملكون هواتف حديثة من طراز آيفون، وحشود المهاجرين التي لا تبالي برمي القاذورات في كل مكان، وتنظر باحتقار لعمل النظافة وهم يتولون إزالتها.
وفي تلك التقارير التي راجعتها "زمان الوصل"، استفاضت "أصلاموفا" ودون مواربة في التعريف بعنصريتها القائمة على أساس انتمائها للأرثوذكسية، حيث سردت بنفسها كيف تحفّظ بعض اللاجئين في صربيا على تصويرهم من قبلها، وطالبوها باحترام خصوصياتهم وعدم التقاط الصور لنسائهم، فما كان منها إلى أن حولت الموضوع كله نحو الحديث عن "بلغراد" بوصفها عاصمة للمسيحيين الأرثوذكوس، وأن النساء يمشين فيها سافرات، بينما نساء المهاجرين يغطين أنفسهن من رأسهن حتى أخمص أقدامهن، وهذا حسب تعبير "الصحافية" غير وارد أبدا، ومن غير المقبول بأن "يفرض اللاجئ قوانينه الخاصة".
وأرفقت "أصلاموفا" تقاريرها تلك بمجموعة من الصور، من بينها واحدة تجمعها مع عدد من الشبان السوريين، وضع عليها تعليق يقول: "هؤلاء يرغبون في التوجه إلى ألمانيا لأن كل شيء هناك مجاني".
*البداية من جزّار سربنيتشا
وبالعودة إلى البدايات "المهنية" لـ"أصلاموفا"، يتضح –وبإقرارها- أن أول شخصية منحتها مقابلة رسمية كانت "رادوفان كارديتش"، الذي "التقته" على تخوم عاصمة البوسنة "سراييفو" في ربيع 1993، واحتست معه الخمر، وقرأ لها بعض أشعاره.

وربما لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون أول لقاء رسمي لـ"أصلاموفا" مع واحد من أكبر مجرمي الحروب الدينية في العالم، وفي عز انتشار جرائم الإبادة والتطهير الديني والعرقي، التي بلغت إحدى ذراها مع مذبحة سربنيتشا صيف 1995، حيث قتلت المليشيات الصربية ما لايقل عن 8 آلاف مسلم.
واستذكرت "أصلاموفا" المليشاوي "كارديتش" ربيع هذا العام، بعد أن بتت المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا بقضيته وقضت بسجنه 40 عاما، مؤكدة تورطه في جرائم الإبادة، بخلاف "أصلاموفا" التي تراه شاعرا وطبيبا نفسيا وسياسيا، ليس له علاقة بالأعمال الحربية.
وقد دافعت "أصلاموفا" عن "كاراديتش" نافية أي علاقة له بمذبحة سربنيتشا، فضلا عن أن هذه المذبحة حسب "الصحافية" الروسية كانت "ردا على قتل مزارعين صرب في البلدات المجاورة".
ومما قالته "أصلاموفا" في شهادتها على الحرب في يوغسلافيا السابقة، أن البوسنيين حصلوا على مساندة الغرب والعالم الإسلامي، بينما تم خذلان الصرب من الجميع بمن فيهم الروس، الذين رفضوا تقديم السلاح لهم (يبدو هذا الخذلان الذي تتكلم عنه أصلاموفا مناقضا للواقع الذي أسفرت عنه الحرب من مجازر بحق المسلمين "المدعومين"!).
وللتذكير، فإن روسيا رفضت -حتى بعد مرور 10 سنوات على المذبحة الرهيبة- أن يجري تصنيفها من قبل مجلس الأمن بصفة "جريمة إبادة جماعية"، فقد نقضت موسكو في صيف 2015 مشروع قرار بهذا الشأن، وكان اللافت أن روسيا صادمت كل الدول الـ15 الممثلين في المجلس، والذين انقسموا بين مؤيد للمشروع (10 دول) وممتنع عن التصويت (4 دول).
وحسب رواية "أصلاموفا" عن الحرب في يوغسلافيا، فقد تلقى المسلمون البوسنيون ملياري دولار من الأموال، كما تدفق إليهم 4500 جهادي من "القاعدة"، بمن فيهم أسامة بن لادن (هذا ادعاء ربما انفردت به أصلاموفا من بين الجميع، بمن فيهم الجهاديون بل وأشد الجهات عداء للتيارات الإسلامية، إذ أن المعلومات المتوفرة عن موقف بن لادن من البوسنة تقول إنه لم يكن يحبذ ذهاب مقاتلي القاعدة إلى هناك، فضلا عن أن يذهب بنفسه!).
واستذكرت "أصلاموفا" بعض ما قاله "كاراديتش" لها في ذلك "اللقاء"، لاسيما تأكيده بأن مهمته "كانت عظيمة.. فقد تم تحرير آلاف الصرب وتجنبيهم الإبادة، وكان خطأنا الكبير هو فقر الدعاية.. الرب وحده يعلم أننا على حق".
*ماراثون آخر
بعد هذه المعلومات التي استطاعت "زمان الوصل" جمعها وتوثيقها حول "أصلاموفا" بماضيها وحاضرها، يبرز السؤال حول ما إذا كان بشار الأسد ومن حوله يعرفون حقا أن الروسية التي اختيرت لمقابلته صاحبة "تاريخ عريق" و"سجل حافل"، حقيق بأن يضع سمعة –او ما تبقى من سمعة- من يلتقيها على المحك؟
الجواب يأتي من "أصلاموفا" ذاتها، التي تحدثت إلى إذاعة "كومسومولسكايا برافد" (التابعة لصحيفتها) عن ظروف المقابلة، وأكدت أن مكتب بشار بذاته جمع وعلى مدى 4 أشهر كل المعلومات حولها، وأنهم اختاروها بعد ذلك، بل أصروا على اختيارها من بين الجميع، لأنهم كانوا –أي فريق النظام- يريدون امرأة "جذابة وحيوية وعاطفية"، وتجيد التكلم بالإنجليزية (يمكن اختبار إجادة أصلاموفا للإنجليزية من خلال متابعة دقائق من المقابلة!).
وأبعد من ذلك فقد كان بشار يعرف الكثير عن "أصلاموفا" إلى درجة أنه سألها قبل إجراء المقابلة عن عدة أمور خاصة وعائلية، فاستفسر منها عن وضع والدها الشاعر وابنتها الشابة التي تدرس الطب وزوجها، بحسب ما قالت في الحوار الإذاعي الذي عادت إليه "زمان الوصل".
وأكثر من ذلك وذاك، فقد سبق لـ"أصلاموفا" أن زارت سوريا، بل وجبهاتها المشتعلة في مناطق مختلفة مثل حلب وتدمر، وكان لها جولات مع عناصر وضباط النظام من جيش ومخابرات؛ ما يعني أنها كانت معروفة في الحد الأدنى لدى النظام، حتى قبل اختيارها للمقابلة.
وخلال الحوار الإذاعي معها، عادت "أصلاموفا" بذاكرتها إلى الاتصال الأول الذي تلقته من مكتب بشار، حيث كانت في "كرواتيا" تقضي عطلة مع بعض الأصحاب، وعندما رن جرس الهاتف، لم تستطع أن تسمع الكلام بوضوح من شدة أصوات السكارى الذين كانوا معها في الحانة.
وكررت "أصلاموفا" خلال حديثها التأكيد على شدة اهتمام فريق بشار بقضية ظهورها الأنثوي الفاتن، وأنها يمكن –بل يجب- أن تأخذ حريتها في ارتداء ما تشاء، وأن تختار أجمل فساتينها وحذاء بكعب عال، أما أمور التبرج وتصفيف الشعر، فقد تكفل الفريق بإرسال اختصاصيين من أجل أن يعملوا على تفاصيل "الأنثى" التي ستظهر قبالة "الرئيس".
ووفقا لـ"أصلاموفا" فقد تم اختيارها للقاء بشار، أولاً لأنهم يريدون الابتعاد عن الصحافيين الغربيين وأسئلتهم المكررة عن قصف حلب وقتل المدنيين ولاسيما الأطفال، وثانياً لأنهم يريدون "ترطيب" الأجواء والابتعاد عن الرجال الجادين و"الجامدين".
لاتخافي.. سوف ننجح، هكذا طمأن فريق بشار "أصلاموفا" وهو يذكّرها بأن لا تتحرج من ارتداء ما تريد، فقد كان ظهورها -كما تريد- هو الهدف الأول وربما الأخير للمقابلة، ولم يكن ظهور بشار سوى تفصيل، فالقضية كما تبدو خدعة بصرية حاول فريق النظام ومستشاروه الإعلاميون لعبها، بحيث ينجذب المشاهد إلى "فتنة" و"أنثوية" أصلاموفا التي افترضوها!، وينشغل بها عن كل ما يمكن أن يتردد في المقابلة من مفردات الحرب والقتل والسيادة و.. و..، وهكذا يتم إعطاء "رونق" جديد لـ"الأزمة السورية"، شبيه برونق "ماراثون دمشق" الذي قفز على كل مآسي السوريين بحفلة "ألوان" ورقص وصراخ شارك فيها مجموعة من الشباب والفتيات، ولاقت استياء عموم السوريين، معارضين وموالين، وهذه "الفعالية" أقيمت وللمفارقة قبل أيام قليلة من لقاء "أصلاموفا" ببشار، الذي تقول بخصوصه إنها لم "تجتمع برجل آسر" يشابهه.. رغم أنها "اجتمعت" بما لا يحصى من الرجال.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية