مع بدء العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل العراقية وقبلها بأيام، كان لتركيا موقفها المبني على ضرورة انتزاع المدينة من سيطرة تنظيم الدولة شريطة عدم مشاركة الحشد الشيعي في القتال، وبشكل أدق عدم دخوله للمدينة تجنبا لارتكاب جرائم طائفية تسفر عن تغيير في البينة السكانية للمدينة ذات الغالبية السنية، وهو أمر بادرته الحكومة العراقية التي لا تنطق إلا عن هوى الوحي الإيراني بتصريحات حادة وصلت حد التحذير من حرب إقليمية، وأخذ قادة الحشد الشيعي يتنافسون بإطلاق التهديدات لتركيا.
لم تنتهِ الساعات الأربع والعشرون الأولى من المعركة حتى أعلنت منظمة "العفو الدولية" أن ميليشيات الحشد الشيعي ارتكبت "جرائم حرب" بحق السكان الهاربين بأرواحهم من الموصل وهم من العرب السنة، وهذا الأمر ليس بجديد، فسبق وارتكب ما هو أكثر في معارك محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى، وشهدت الأخيرة وقدرها أن تكون جارة لإيران أبشع عمليات التهجير الطائفي لتتحول من محافظة 80 % من سكانها من السنة بحسب إحصائيات عراقية، إلى محافظة ذات أغلبية شيعية.
ما حصل تحت شماعة محاربة تنظيم الدولة في تلك المحافظات سبقه تهجير للسنة من أحياء بغداد وحزامها طال كذلك مناطق سكن اللاجئين الفلسطينيين منذ الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي في العام 2003 وكانت الذريعة في حينه ملاحقة "أزلام النظام السابق" وتأطرت فيما بعد بقانون "اجتثاث البعث"، وكان عراب عمليات التهجير في حينه متزعم ميليشيا "جيش المهدي" مقتدى الصدر بعد أن جعلت منه إيران زعيما لتيار شيعي مستغلة مكانة عائلة الصدر الدينية، بينما كان مقتدى، الذي لا يتقن الكلام العامي ناهيك عن الفصحى، يدير محلا لألعاب الأطفال (أتاري).
لم يكن العرب السنة أقلية، فنسبتهم كانت تتعدى 45% هذا مع استثناء الأكراد وهم بأكثريتهم سنة، ولكنهم –العرب السنة- يفتقدون للمرجعية التي توحدهم ورغم كل الفتك الذي تعرضوا له منذ الغزو الأمريكي وحتى يومنا هذا مازالوا بعيدين كل البعد عن إنتاج مرجعية توحد كلمتهم وطروحاتهم، وذلك على عكس الجانب الآخر الذي تشرف عليه إيران، وقد أتقنت صناعة الشخصيات القادرة على تحريك الشارع الشيعي في العراق، بل وحولتهم عبر ميليشيات الحشد إلى ذراع عسكري للفتك بمن تراهم أعداءها، وهم بطبيعة الحال العرب السنة، سواء أكانوا في العراق أم في غيرها.
في سوريا الأمر ليس بأحسن حال من العراق، ولن تسوقنا العواطف إلى منزلقات الطائفية، والحديث عن مرجعية طائفية سنية، ولكننا نفتقد أيضا الشخصية الوطنية الجامعة، وقد لا نبالغ إذا قلنا إن معاذ الخطيب نال في الفترة الأولى من توليه رئاسة الائتلاف الوطني تأييداً وإجماعاً لم يحصل عليه سوري حتى الآن، ولا مجال هنا للبحث عن الأسباب التي جعلته ينسحب من المشهد السياسي في حينه والاكتفاء بالظهور بين فترة وأخرى ليخرج بتصريحات أيضا لست بوارد تحليلها، لكن يمكن القول بأنها "مثيرة للجدل"، وآخرها ما قاله عن العمليات "الاستشهادية السياسية".
لا يبدو أن هناك متسعا من الوقت ليستعيد أهل الثورة ما تبقى من روح ثورتهم وقد تكالب عليها زنادقة السياسة والإجرام في العالم، إلا أن شرف الرجال يستوجب الموت وقوفاً.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية