مرة تلو أخرى، تثبت الدبلوماسية الروسية، المدعومة ببعض جنون على الأرض، انطلق بمجازفة وسبق بادئ الأمر لملء الفراغ، أنها أقوى -مرحلياً على الأقل- من الدبلوماسية الأمريكية، فبعد كل الوعيد وطلب أوباما اجتماع مع "الأمن القومي"، ليرد على جرائم موسكو، خرج أول من أمس الجمعة، ليعيد معزوفة، أن الحل بسورية دبلوماسي، ولتتقدم موسكو خطوة، بأن تؤثر على دعوة إيران ومصر إلى الاجتماع الدولي الخاص بسورية، في مدينة لوزان السويسرية، لتكون النتائج، وبأكثر الاحتمالات تفاؤلاً، الاتفاق على الحل السياسي الدبلوماسي، وربما تحديد موعد للجولات الملهاة واستمرار الاتصالات بين وكلاء الثورة والسوريين.
قصارى القول: عرفت موسكو وبقوة السلاح، أن تقزّم قضية السوريين، من ثورة محقة على وارث ديكتاتوري، إلى مباحثات لوقف مؤقت لإطلاق النار، أو للسماح بإدخال مساعدات إلى سوريين محاصرين يموتون جوعاً حيناً، وتحت حمم طائراتها بقية الأحايين.
في لفتة للوراء، من قبيل لزوم ما يلزم، نرى أن موسكو بقيت لأكثر من عامين من عمر ثورة السوريين، دونما موقف علاني واضح، بل بقيت عارضة موقفها ونفسها للبيع، ولا من مشتر قادر على دفع السعر، إذ ما تسعره لموقف قد يعيدها إلى "ثنائية القطب" أكبر من أن يدفعه وفد مهلهل أو دولة لا يزيد عدد سكانها عن حي صغير بموسكو.
ونرى أيضاً، أن واشنطن التي نأت بجيشها عن حروب المشرق العربي بعد تسليم العراق لإيران، واختارت توريط الآخرين والقيادة من الخلف، لم تتوقع أن تستفيد روسيا من درس أفغانستان، بل وتتعامل مستغلة التردد الأوبامي، بشكل ضيّع هيبة القوّة الكبرى، بل وجعل من موسكو قوّة كبرى يتهافت لإرضائها الآخرون، بمن فيهم حلفاء واشنطن التقليديون، إن في الخليج العربي، أو حتى في حلف الناتو...ولعل ما جرى على هامش، وخلال مؤتمر الطاقة العالمي الذي استضافته اسطنبول أخيراً، يدلل أن الشمس لم تعد تشرق من واشنطن فقط.
ونرى فيما نرى من الرجوع لمعاناة السوريين، أن من ادعى صداقة الشعب السوري، كان الأكثر ضرراً لثورته وتأثيراً في انحرافها، بل وتردداً في استغلال الفراغ الذي لعبت على ملئه موسكو بعد نفاد صبرها من وجود شارٍ لموقفها، ولم يصح الأصدقاء إلا متأخرين، على هول ما يخطط من اقتسام سوريا، ليهرولوا وراء موسكو، علهم يرضون من الغنيمة بالإياب.
ونرى ونرى وللأسف متأخرين، أن السوريين الذين باعوا قرارهم، يُبعدون حتى عن المشاركة باجتماع، يخصص لسوريتهم، ليتابعوا مجرياته من المؤتمرات الصحافية أو عبر ما تسربه الوكالات بحسب ما يطلبه المجتمعون، لتملي عليهم قراراته عبر "الأصدقاء" الذين أُكلوا مذ أكل حلم السوريين الأبيض، واكتفوا بفتوحات قولية وإيواء وإطعام الجوعى واللاجئين.
نهاية القول: حتى هنا، لم نأت بجديد، بل بتوصيف وتشك ربما مكرور وممجوج، منطلقه وجع وخيبة ليس إلا، لنسأل وفق ما يجري وما يمكن أن يجري، أيمكن لثورة السوريين أن تؤكل، فيعاد إنتاج الأسد، بعد سيطرته على حلب، أو تهديمها على رؤوس من بقيّ فيها.
في محاولات البحث عن إجابة، وبعيداً عن مسلمة أن الثورة السورية التي أكلها أبناؤها ضمن الآكلين، هي ثورة حق وحرية ولا يمكن أن تُفصل بجغرافيا أو ليّ عنق تاريخ، بل ستنهض ولا محالة، إذ لا يمكن تدوير نظام مجرم، قتل وهجر وباع الأرض للمحتلين.
أغلب الظن، موضوعياً وبعيداً عن حلم السوريين العصي عن القتل، أن ثمة شراء للزمن، يبيعونه المجتمعون في لوزان بسعر الدم لمائة يوم أخرى، بعدها ستزلق الثورة السورية العالم لمواجهة عالمية...أو تتربع موسكو على ثنائية القطب، فيقتسم "الأعدقاء" الجغرافيا والنفوذ ويتركون لحلم السوريين بعض فتات على جغرافيا تضيق على الحلم وقبور المقهورين.
*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية