أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مكتبة "داريا".. خير جليس في الجحيم كتاب

الكثير من الكتب الممهورة بأسماء أصحابها في "داريا" تُباع على بسطات "البرامكة" بعد سرقتها

لم يستطع الحصار المطبق الذي شنه النظام على أهالي "داريا" خلال سنوات أن ينال من إرادتهم وتشبثهم بالحياة والبقاء، وليس أدل على ذلك من المكتبة الثقافية التي تمكن ناشطو المدينة من إنشائها في قبو محصن داخل المدينة ليكون الكتاب خير جليس لأهلها في ظل القصف اليومي، وفي قلب الجحيم الذي واجهوه خلال 4 سنوات. 

مع أول خيوط الفجر كل يوم كان ناشطو المدينة ينتشرون في أحيائها لجمع الكتب من البيوت المدمّرة كي تكون نواة مكتبة ثقافية متاحة لأهالي المدينة مجاناً، وتمكّنوا خلال أشهر قليلة من جمع 14 ألف كتاب في مختلف صنوف الثقافة والمعرفة، ولكن المكتبة لم تلبث أن تحولت بعد الخروج من الحصار إلى غصة تعتمل في قلوب من تعبوا لإنشائها، وذلك بعد أن وردت إليهم صور مليشيات الأسد وهم يسرقون المكتبة ويعبئون محتوياتها في حافلات صغيرة. 


وروى الناشط "أحمد مجاهد" أحد القائمين على المبادرة لـ"زمان الوصل" أن فكرة المكتبة بدأت مطلع العام 2014 وكان قد مضى على حصار "داريا" حوالي سنة ونصف، مشيراً إلى أن "المبادرة تمثلت في جمع الكتب من البيوت المدمرة لإنشاء مكتبة يستطيع الناس ارتيادها لقراءة الكتب وليعيشوا عالماً آخر بعيداً عن أجواء الحرب والقصف والحصار المرير".

وأضاف محدثنا أن "الهدف من إنشاء المكتبة أيضاً تمكين الناس الذين انقطعوا عن دراستهم من استكمالها، وإتاحة المجال لمن يرغب من غير المثقفين بامتلاك الثقافة، وهكذا غدت المكتبة –كما يقول- حيّزاً معرفياً وثقافياً مشعّاً داخل مدينة داريا".

وتحولت المكتبة -حسب محدثنا- طوال فترة تقريباً، ملاذاً للكثيرين من أهل المدينة وخاصة الأطفال الذين كانوا يلجؤون ليقرؤوا بطمأنينة وسلام وينشدوا السكينة والهدوء وسط مخاطر الفناء والموت.
اعتاد ناشطو "داريا" ممن نذروا أنفسهم لإنشاء المكتبة على الخروج في ساعات الصباح الأولى وقبل أن يشتد القصف العنيف لجمع الكتب من البيوت المدمرة ومن المكتبات، وكانوا -كما يشير مجاهد- يأتون بالكتب ويدوّنون أسماء أصحابها، وتوثيق أماكن وجودها في رفوف المكتبة حتى بلغ عدد هذه الكتب أكثر من 14 ألف كتاب تم ترقيمها وتوثيقها على برنامج أكسل لسهولة الرجوع إليها.
وأردف محدثنا: "كنا نتأمل أن تتحسن الأوضاع ويعود أهالي "داريا" إليها ويتم تحريرها، فيتمكن الناس من استعادة كتبهم أو يقدمونها هدايا للمكتبة، "فالكتاب في النهاية ليس ملكنا كناشطين بل ملك لأهالي داريا ككل". 


وكشف محدثنا أن "أغلب الكتب التي كانت محفوظة في المكتبة كانت لطلاب علم ومساجد وأساتذة ومدرسين ومثقفين داخل مدينة داريا، وتتنوع هذه الكتب الثقافية والأدبية والتاريخية والدينية والقصص والروايات وقصص الأطفال". 

وكانت المكتبة المنهوبة تحوي أقساماً، ولكل قسم منها موضوع محدد أما بالنسبة للكتب المتكررة، فتوضع في مستودع ملحق بالمكتبة كي تُتاح فرصة استعارة الكتاب ذاته لأكثر من شخص.
وكان أهالي "داريا" بمختلف شرائحهم الاجتماعية العمرية يترددون على المكتبة وحتى المقاتلين على الجبهات -كما يؤكد الناشط مجاهد- كانوا يستعيرون كتباً ليقرؤوها أثناء مرابطتهم أو استراحاتهم. 
وقبل أشهر قليلة من التهجير وازدياد عدد الشهداء في المدينة نتيجة اشتداد القصف بدأ رواد المكتبة بالتناقص.


وبعد الخروج من الحصار تمكن مراسل "cnn" أن يدخل إلى "داريا" ويكتب تقريراً عن المكتبة موثقاً بالصور. وشاهد بأم عينه مليشيات الأسد بلباسهم العسكري وهم يسرقون محتوياتها ويضعونها في سيارات "سوزوكي".

وأكد محدثنا أن عدداً من أصدقائه في دمشق رأوا الكثير من الكتب الممهورة بأسماء أصحابها في "داريا" تُباع على بسطات "البرامكة" وسط العاصمة.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(189)    هل أعجبتك المقالة (218)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي