أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أعطني مالا وليذهب الوطن للجحيم*

يحق لنا أن نتساءل ما هو مستوى الأحقاد ونوع الولاء الذي يُخرج الآلاف للرقص في ساحة الأمويين فرحاً بينما تموت حلب وغيرها؟

في الزاوية الشمالية الغربية من مقبرة "الباب الصغير" بدمشق يوجد قبر عبد الملك بن مروان، وبجانبه ابنه الوليد بن عبد الملك، المصادفة قادتني إليه في العام 2005، ولم أكن أعلم قبل ذلك أنهما يرقدان في ذلك المكان، لم أصدق بداية، فما نُقش على شاهدة القبر من كتابة لم يكن واضحاً، ثم إن ما تراكم من أوساخ في المكان الذي بدا وكأنه مكب للقمامة لا يوحي – سياحيا على الأقل- بأن في هذا المكان يرقد رجلان حكما يوما ثلاثة أرباع العالم، فضلا عن أن مراقد أخرى في المقبرة لم يكن خافيا وجود الزوار الإيرانيين عندها كًرست لها عناية فائقة حالها حال قبور لعائلات سورية، أظنها دمشقية، حيث السياج والمدخل الرخامي وما تيسر من زخارف نقشتها أياد ماهرة، نقوش وأضرحة قد ترى فيها بعض الجماعات الدينية "بدعة" تنافي الشرع، بينما لا ترى أخرى ضيرا في ذلك، لتذهب ثالثة إلى المبالغة في البناء لرجال يعتقدون صلاحهم.

الحقيقة أن لا صفة دينية، أو منتج ديني للرجلين، فهما رجلا سياسة ورجلا دولة بامتياز، ولم تشر كتب التاريخ إلى وجود منتج "ديني" لهما، دون أن نغفل أن الوليد هو من أمر ببناء المسجد الأموي، وهذا لا يندرج ضمن الفعل الديني الخالص، وبالتالي لا يفترض أن يهمل ذلك المكان انطلاقا من حساسية دينية ما، إلا إذا كان المقصود طمس كل ما يتعلق بـ"الأمويين"، الذين أنكر الوريث بشار وجودهم التاريخي معترضا على تسمية دمشق بـ"دمشق الأمويين".

لا يُبرَّأ النظام من العبث بتاريخ سوريا مثلما يفعل بحاضرها، كما لا يُبرَّأ عموم السوريين ومثقفوهم وكل مؤسساتهم بكافة تصنيفاتها من الوصول إلى حالة ضياع الهوية التي كنا نعيشها، وما الحديث عن الفسيفساء السوري، إلا تلطٍّ حول "اللاهوية" التي عشنا حالتها لعقود، لتثمر بعد انفجار الساحة قتلا وأحقادا وتشفيا وانتماء للحي والمدينة والطائفة قبل الانتماء للوطن كوطن، فأي انتماء وأي حالة بشرية تلك التي تجعل ممن يفترض أنه سوري، يرقص فرحا وتشفيا بقتل السوري الآخر وهو يعلم أن القتلى بجلهم أطفال ونساء. يحق لنا أن نتساءل ما هو مستوى الأحقاد ونوع الولاء الذي يُخرج الآلاف للرقص في ساحة الأمويين فرحاً بينما تموت حلب وغيرها؟ وما هو عمق الانحطاط ومدى الانسلاخ عن الوطن، بل عن الانسانية، ليشمت حي بذبح حي آخر يفترض أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم؟، نتلطى، كلنا، ونحتال على بعضنا بكلمات المنطقة والمدينة والطائفة التي لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من أمامها بينما أغلبنا إما قاتل أو مقتول وما بينهما لسان حاله يقول أعطني مالا وليذهب الوطن للجحيم.

*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
(181)    هل أعجبتك المقالة (169)

محمد علي

2016-10-11

معالم تاريخيه مهمه ،،،، لكن الله و اعلم ما حل بها الان ،،،، شكرا على الذاكرة الطيبه.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي