أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"رويبضات" مرت على "راس" الثورة السورية*

إن الثوار الحقيقيين والمعارضين الفعليين هم أولئك الذين لازالوا متمسكين بالأرض - ارشيف

عندما أتيت إلى باريس نهاية العام 2012، كان "الرويبضة" " ع ، ع" ، المنشق عن المخابرات الجوية، يتصدر جلسات الثوار والمعارضين السوريين، وتصغي الناس إليه باهتمام .. "قيل يا رسول الله وما هو الرويبضة ..؟ قال:"الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة...".

كان انتقالي من الأردن إلى فرنسا، تشبه الرحلة التي ينتقل فيها الإنسان من الإيمان إلى الكفر.. كأنك بالضبط، أدخلت شيخا معمما إلى خمارة أو بيت دعارة.. !!

بالنسبة لـ"ع"، فهو استطاع أن يصنع حول نفسه رأيا عاما عندما كان في الأردن .. خرج أكثر من مرة على القنوات الفضائية وتهجم على المخابرات الأردنية التي صادرت أجهزة موبايله وكمبيوتره الشخصي عدة مرات في مخيم المنشقين، كما أوحت للمنشقين بأنه لازال يعمل مع المخابرات السورية، ما عرضه للضرب المبرح من قبل زملائه في المخيم، إلى أن سمعت بقصته "ن، ن" وساعدته على الخروج إلى فرنسا، بحسب روايته هو ... 

أما المخابرات الأردنية، فكانت تؤكد أنه كان يرسل شيفرات إلى المخابرات السورية، لم يستطيعوا فكها، وتوقعوا أن تكون بأسماء الضباط الذين ينشقون، أو أنها تتضمن معلومات عن تواصل هؤلاء الضباط مع الداخل والخطط العسكرية التي كانوا يشيرون فيها إلى قادة الكتائب.. إضافة إلى أنه كانت تصله مبالغ محترمة من المال من سوريا باسم خالته، الأمر الذي أثار كثيرا شكوك المخابرات الأردنية، بأن هذه المبالغ تحمل توقيع المخابرات السورية .. فلماذا خالته...؟! وهو المصطلح المتداول بين السوريين ويعني بالضبط المخابرات..هذا ما قاله له لي أحد المقربين من المخابرات الأردنية في تلك الفترة، عند سؤالي عن سبب مصادرتهم لأجهزة "آ" الخليوية.. !!

لكن لم يكن هذا السبب الوحيد الذي جعلني أبتعد عن مجالس "آ" "الثورية" ... وقد حاول المعارض أيمن الأسود كثيرا أن يخفف من مخاوفي اتجاه هذا الأمر.. وأكد لي في أكثر من موقع أنه يعرفه جيدا ولا يمكن أن يكون كما تروي المخابرات الأردنية .. ومع ذلك ظللت أشعر بمسافة نفسية كبيرة بيني وبينه، لم تسطع ردمها محاولات أيمن. 

وفي إحدى هذه المحاولات، وبينما كنا نتمشى ليلا في شارع الشانزليزيه، أنا وأيمن وآفاق، وإذ بـ"الرويبضة" "ك، ل" ومعه شخصان، أصبحوا بمواجهتنا...سلمنا على بعض بحرارة.. وبعدها مباشرة، اتجه " ك ، ل " إلى "ع"، وقال له: أنا لعبت دورا كبيرا في إخراجك من الأردن إلى فرنسا..؟! وتابع: لقد استدعتني المخابرات الفرنسية إلى السفارة وسألوني كثيرا عنك.. وقمت بتزكيتك لديهم..!! وراح يثرثر، طلب منه "ع" أن ينزويا جانبا، وبقيت أنا وأيمن والشخصين.. كنت أرقب بطرف عيني كيف أن"ع" كان يستمع باهتمام لـ "ك، م"، وقد علت شفتاه ابتسامة فيها الكثير من الفخر والاعتزاز.

عندما افترقنا وعدنا لبعض، كان "ع" يقول عن "ك ، م" إنه شخص خطير، وكان ينتظر منا أن نسأله لماذا..؟ غير أننا لم نكن مهتمين، لا أنا ولا أيمن.. 

خلال تواجدي في الأردن، زار "الرويبضة" الشيخ "م ، م"، مخيم المنشقين، وجلس مطولا مع "ع ،ع" .. وقال لي الضباط المتواجدون هناك إنه أعطاه مبلغا "طيبا" من المال، بينما اكتفى بالدعاء لباقي المنشقين وألقى عليهم خطبة حماسية.. !!

عندما سألت "ع" عن الأمر، حلف بعرض أمه وأخته أن الشيخ "م ، م" لم يعطه شيئا، وإنما فقط جلس معه على انفراد.. فعرفت أنه يكذب..!!

كانت باريس تعج بـالمعارضين الذين ملؤوا شاشات قنوات الأخبار العربية، وهي يهددون ورعدون ويتوعدون النظام بالويل والثبور ... وكان لكل معارض مجلس ومريدون.. وكانت هذه المجالس تتلقف كل وافد جديد قادم من أرض الثورة، لكي يأخذوا منهم بعض المعلومات التي تمدهم بالوقود اللازم للظهور على الشاشات الفضائية...لهذا عرفت في باريس مجموعة كبيرة من المعارضين وتعرفت على بعض تفكيرهم.. بينهم معارض كان آخر لقاء معه في منتصف العام 2013، إذ أعلن وقتها أن الأمور انتهت والنظام سقط، لكن هو حائر ماذا سيفعل بحاشيته وحلفائه، وبالذات جماعة حزب الله.. هل يعدمهم مباشرة...؟ أم يحاكمهم ومن ثم يعدمهم ..؟! 

باختصار، ما أكثر "الرويبضات" التي مرت على رأس هذه الثورة... وقد أكون أنا واحدا منهم..! 
لكن صدقوني فإن الثوار الحقيقيين والمعارضين الفعليين هم اولئك الذين لازالوا متمسكين بالأرض ويقاتلون النظام.

*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
(205)    هل أعجبتك المقالة (191)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي