أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأسد اغتسل ببول البقرة*

من حمص - ارشيف

يحكى أن سفير المملكة البريطانية زار مستعمرة الهند يوماً، فرأى شاباً مثقفاً يستخف بعبادة البقرة، بل ويركلها برجله، وهو يلقي خطاباً لتحرير العقول لجمهرة حوله، فنزل سفير المملكة المتحدة من سيارته، ودفع الرجل وبدأ يمسح على جسد البقرة ويتبارك بها، وانتظرها حتى بالت، والجموع حوله، فغسل يديه ووجهه ببولها ومسح رأسه وثيابه، ومن ثم سجد لها طالباً المسامحة والغفران.

الهنود المتجمهرون سجدوا بدورهم لربهم البقرة، بعد أن رأوا الغريب المسيحي الذي يؤمن برب واحد يسجد، وتعالت الأصوات طالبة السماح من البقرة، على ما ارتكبه "الكافر المثقف".

ولما صعد السفير سيارته سأله السائق البريطاني مستغرباً، لماذا اغتسلت ببول البقرة وسجدت لها، رغم أنك لا تؤمن بهذا المعتقد، فرد السفير: لو سمحنا بتحرر العقول وركل تلك المعتقدات، لتقدمت الهند وتحررت من الجهل والخرافة، وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا، وأضاف "دورنا أن لا نسمح أبداً بركل تلك المعتقدات، لأنها جيوشنا في تسخير المجتمعات".

قصارى القول: اغتسل بشار الأسد ومنذ يوم الثورة الأول ببول البقرة، وربما لم ينس السوريون بعد، أول مرسوم إعفاء، للمؤمن الأسد الملتزم بالصلوات حتى بداريّا، أخرج خلاله السجناء المتهمين بالإرهاب أو المنتمين لتنظيمات تكفيرية أو الذين شاركوا بالحرب ضد الاحتلال الأمريكي بالعراق، ليعتقل بالآن نفسه النشطاء المدنيين والمثقفين، أو يقتل من يراه يركل البقرة، ولعل في قتل غياث مطر ومشعل تمو الذي مرت قبل أيام ذكرى استشهاده الخامسة، أو باعتقال فائق المير وخليل معتوق وسواهم الآلاف، واستخدام المفتي أحمد حسون، ليسبح وبشكل مستمر بمسابح بول البقر، عبر هدف مزدوج، يركل بحده الأول البقر وبحده الثاني يسبح بحمدها ويسجد لها.

لينقلب نظام الأسد لاحقاُ على معتقده، بعد أن ورّط الثورة والثوار، ليقول للعالم إن ما يحدث في سوريا لا يمت للثورة والحرية بصلة، بل هي حروب طائفية هدفها سحب البلاد إلى ما قبل التاريخ، عبر فكر إقصائي لا يؤمن سوى بسفك الدم وسيلة، آخذاً من تنظيم "داعش" وبعد حملات إعلامية، محلية ودولية، مثالاً مشوها عن ثورة السوريين وحلمهم.

يمكن القول ربما، من منطق علوم السياسة وطرائق تعاطيها، إن كل ما فعله بشار الأسد كان مشروعاً ومفيداً وانعكس عليه بالنفع والديمومة، حتى الآن على الأقل، لطالما اعتبر منذ أطفال درعا أن الشعب عدوه وهو يخوض معركة يحق له لأجل إبقاء استخدام كل الأسلحة فيها، وبالمنطق نفسه يمكن القول، إن كل من مسح البقرة وطلب مسامحتها، إنما ساهم، بدراية أو بغباء، ببقاء الأسد إن لم نقل نصره على شعب حاول منذ البداية وبكل ساحات التظاهر، ركل المعتقدات البقرية التي كرسها الأسد الأب ومشى على هديها الوريث ضمن وصايا، كشفت الأيام والأحداث، أن جلها من الخارج.

نهاية القول: اليوم، ورغم كل ما آلت إليه حال الثورة، من تشرذم وخسائر وضياع، بل وحتى احتلال رسمي روسي أقره مجلس الدوما قبل يومين، نرى ممن يحسب على الثورة، يطلب الغفران من البقرة، بل ويسفك الدم تقرباً منها، ولعل فيما يحصل من احتراب بشمال سوريا، استغله الأسد لاسترجاع قرى بريف حماة الشمالي، وسيستغله أكثر على الصعيدين السياسي والميداني، تدلل على أن لا حاجة لينزل أحد من السيارة ويسجد للبقرة، بعد أن غدا الاغتسال ببولها طقساً وهدفاً يدفع كل من "يركل" حياته ثمناً.

الوجع بسوريا لا يتأتى من خسائر الجغرافيا وحتى محاولات إعادة إنتاج الأسد الوريث، بل من الخيبة في عدم الوصول لقناعة لركل كل الشوائب التي ألصقت بالدين الإسلامي الحنيف، دين التسامح والعلم، والانطلاق من أن ثورة السوريين لم تقم لأسباب روحية، بل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وما توجيهها نحو فخ التطرف، إلا لاستقطاب بقر العالم ليسجدوا للبقر ويبقوا على حكم البقر ويبددوا حلم البشر.

*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
(191)    هل أعجبتك المقالة (203)

محمد علي

2016-10-09

كلام سليم ،،، شكرا استاذ عدنان.


OMAR OMAR

2016-10-09

نهاية بشار ستكون على أيدي الأيرانيين الذين سينتقمون من الروس بقتله ... ولكن الروس لن يهتموا لقتله فالروس يحتقرون الخونة من شاكلة بشار.


Amr Arab

2016-10-09

كلام في الصميم.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي