أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من هي "الفصائل المسلحة" التي أوصلت فيديو إعدام كوهين لإسرائيل؟!

الأرشيف السياسي من وزن قضايا كمحاكمة أو إعدام كوهين، محظور استعارته لأي كان

نقل موقع (معاً) الفلسطيني عما أسماه موقع “nrg” العبري فيلم قصير يوثق لحظة اعدام الجاسوس الاسرائيلي الشهير “ايلي كوهين” وسط العاصمة السورية دمشق. وقال الموقع العبري المذكور الذي كشف النقاب عن الفيلم [أمس] الثلاثاء انه حصل عليه بعد ان وصل الى ايادي مجموعات سورية مسلحة يبدو انها احتلت احد مكاتب التلفزيون السوري وسلموا الفيلم لجهات اسرائيلية لم يسمها الموقع. ويظهر في الفيلم الجاسوس الاسرائيلي معلقا على اعواد مشانق سوريا وكذلك لحظة انزال جثته من على المشنقة. بحثت عن الموقع المذكور على شبكة الانترنت، وتمكنت بمساعدة أداة الترجمة العبرية في (غوغل) من الوصول إلى المادة المشار إليها، فتبين أن الموقع المذكور بالفعل نشر مادة فيديو من هذا النوع، تحت عنوان: ” فيديو: إعدام الجاسوس اليهودي إيلي كوهين” مرفقا بالترجمة التالية: “وثيقة فيديو تم كشفها في الأيام الأخيرة تظهر أكثر اللحظات المثيرة لإعدام الجاسوس اليهودي إيلي كوهين. حصلنا على الفيديو نظرا لسيطرة المعارضة السورية على أرشيف مواد الدولة، صور من يوم إعدام إيلي كوهين. فيديو شهد الآلاف من سكان سوريا الذين جاءوا لمشاهدة حالة تنفيذ الحكم. ثم نرى لحظات وضع جسد كوهين في نعش ونقله إلى مكان مجهول من خلال مركبة عسكرية”. وبحكم متابعتي لموضوع إعدام إيلي كوهين منذ زمن طويل، وإطلاعي على أرشيف التلفزيون السوري وتاريخه، وبحثي الخاص كصحفي سبق أن بحث في أرشيف التلفزيون، وأعد أكثر من برنامج توثيقي عن تاريخه، وتاريخ العمل الدرامي والبرامجي فيه، أستطيع أن أوضح الحقائق التالية:

1- ليست هذه هي المادة المصورة الأولى عن إعدام كوهين في ساحة المرجة بدمشق في الثامن عشر من أيار عام 1965 (زمن حكم الرئيس أمين الحافظ) فهناك العديد من الفيديوهات المنشورة على اليوتيوب لهذا الحدث، وبعضها موجود في برامج خاصة أنتجها التلفزيون الإسرائيلي منذ عقود عن كوهين، وهي موجودة على اليوتيوب أيضاً. وبإمكان أي شخص أن يكتب اسم كوهين بالعبري ( אלי כהן ) ويطلع عليها.

2- الفيديو المنشور مصور بكاميرا سينمائية لأن كاميرات التلفزيون في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، (أي قبل دخول الكاميرات المحمولة وتقنية سيارات النقل الخارجي) كانت كاميرات ضخمة جداً، ولم تكن تستخدم للتصوير الخارجي، وحتى في المسلسلات الدرامية، عندما كان المخرجون يصورون مشاهد خارجية، كانت تصور بكاميرات سينمائية، وتطبع وتحمض.. ثم يتم إضافتها إلى الشريط التلفزيوني في المونتاج.. ولهذا أحدث فيما بعد قسم اسمه التليسينما.. وطبعا هذا لا يمنع أن يكون التلفزيون السوري حينذاك قد صور عملية الإعدام بكاميرا سينمائية.

3- التسجيلات الأبرز التي يملكها التلفزيون السوري، والتي عرضت لمرة واحدة، هي تسجيل محاكمة كوهين، وقد صورها حينذاك المخرج غسان جبري (مازال حياً يرزق) وذكر لي الأستاذ جبري ذات مرة… أن أعضاء المحكمة التي كانت برئاسة صلاح الضللي، وعضوية سليم حاطوم ومحمد رباح الطويل كانوا يتنافسون فيما بينهم في إعطاء الأوامر للمخرج بأن يضع الكاميرا على كل منهم على حدة وأن يبرز صورته في التسجيل التلفزيوني… وقد اشتهرت في الشارع السوري حينذاك عبارة (اخراس ولاك داسوس) التي كان يقولها أعضاء المحكمة كلما حاول كوهين الرد على أسئلتهم أو قال كلاما لا يعجبهم.

4- مرت على التلفزيون السوري عدة أنظمة تسجيل. أولها كان نظام (2 انش) وهوم عبارة عن أشرطة ضخمة جداً، كان يسجل عليها التلفزيون برامجه ومسلسلاته، وقد ظل هذا النظام مستخدما منذ بدايات التلفزيون حتى نهاية مرحلة الأبيض الأسود في نهاية سبعينيات القرن العشرين. وإذا وجدت أية أشرطة عن محاكمات كوهين فهي مسجلة حكما على أشرطة (2 أنش) التي نسقت في معظم تلفزيونات العالم، وقد تبعها نظام (سي فورمات) ووزن هذا الشريط ضخم بمعايير اليوم، لكن يوازي ربع حجم نظام (2 انش) وبالتوازي مع (سي فورمات) استخدم التلفزيون السوري نظام (يوماتيك) قبل أن يصل إلى نظام (أس- بي) ثم نظام (إس بي ديجتال) وهي أشرطة بحجم لابتوب صغير… ومعظم أرشيف التلفزيون منذ التسعينيات حتى اليوم ينتمي إليها.

5- أشرطة (2 انش) الضخمة، التي سجلت عليها محاكمات كوهين، غير قابلة للنقل والاستخدام اليوم، فمنذ التسعينيات كان التلفزيون السوري يملك آلة عرض واحدة لهذه الأشرطة… وكانت دائمة الأعطال، وكثيرا خلال إنجازي للبرامج التي توثق تاريخ التلفزيون السوري، ما كنت أتوسل للفني المكلف بالنسخ من هذه الآلة، كي ينسخ لي مشاهد من برامج ومسلسلات هامة، كنت أرى أنه لا يمكن تجاهلها في رواية قصة التلفزيون، وقد نقل مستودع هذه الأشرطة من مبنى التلفزيون السوري إلى مستودع تابع للتفلزيون 6- في (الصبورة) قرب دمشق [لازالت تسيطر عليها قوات النظام] وأحيانا كنت أدفع لهذا الفني ما تيسر من إكرامية بحجة أنه يريد الذهاب في تاكسي إلى الصبورة لإحضار الشريط. أما بعض مخرجي الدراما القدامي فقد دفعوا له إكراميات أكبر لينسخ مسلسلاتهم من نظام (2 انش) كي يحتفظوا بنسخ فيديو منزلي عنها تاليا.. لأن لجنة نسخ الأرشيف التي شكلت، كانت بلا ذاكرة تقريباً، ولا تعرف ما هو المهم أو غير المهم في هذا الأرشيف.. ناهيك عن عوامل البيروقراطية والفساد التي ستفعل فعلها بالطبع في جهاز حكومي هو واحد من أكثر بؤر الفساد في الإعلام الحكومي.

7- كثير من أرشيف التلفزيون السوري تلف ولم يعد بالإمكان النسخ منه، بسبب تعاقب أنظمة التسجيل وتنسيقها، وعوامل سوء التخزين، وكثيرا ما اطلعتُ على أعمال مهمة لم يكن بالإمكان نسخ منها أي مشهد أو مقطع بسبب سوء التخزين!

8- الأرشيف السياسي من وزن قضايا كمحاكمة أو إعدام كوهين، محظور استعارته لأي كان… ومن سابع المستحيلات – إذا سلمنا أنه سليم ومنسوخ إلى أنظمة حديثة- الاطلاع عليه، إلا بإذن خطي من المدير العام وقد يتطلب الأمر في حالات معينة، موافقة وزير الإعلام.. وإذا سلمنا أن المادة التي نشرها الموقع الإسرائيلي هي مادة سينمائية حصراً، ولا يمكن أن تكون مصورة بكاميرات تلفزيونية، وأنه جرى نقلها لاحقاً على شريط تلفزيوني… فإن المؤكد أن هذا الشريط لا يمكن أن يوجد حتى بين يدي أكثر موظفي التلفزيون السوري موثوقية وصلة بأجهزة الأمن.

9- مستودعات التلفزيون السوري داخل التلفزيون وفي مستودعه الخارجي في الصبورة، مكتظة بعشرات الآلاف من الأشرطة، التالفة وغير التالفة.. من أنظمة تسجيل مختلفة وبعضها منسق، لتلفزيون يبلغ عمره اليوم (56) عاماً. ولا يمكن لأي فصيل مسلح أن يعثر على هكذا شريط لمجرد أنه استولى على ما يقول الموقع الإسرائيلي “أرشيف الدولة”، أو ما يقول الموقع الفلسطيني الذي نقل الخبر “مكاتب التلفزيون السوري”!.

ويبقى ثمة أسئلة عدة تطرح نفسها مع اعترافي بأن المشاهد التي عرضها الموقع الإسرائيلي لإعدام كوهين أراها لأول مرة، وربما تكون غير منشورة سابقاً، وهي: من هو الفصيل المسلح الذي يزعم الموقع الإسرائيلي أنه استولى على “أرشيف الدولة”؟ وأين تم هذا الاستيلاء ومتى؟! وكيف تواصل معهم وأوصلوا لهم الفيديو؟ فإن لم نجد إجابات على هذه الأسئلة مع معرفتنا أن أرشيف التلفزيون مازال تحت سيطرة النظام، فإنه يمكننا الاستنتاج أن المطلوب فقط الإيحاء بأن مسلحي المعارضة يتعاملون مع إسرائيل، ويتواصلون معها، ويخطبون ودها.. في نقطة ضعفهم التاريخية: إيلي كوهين.. وربما في أشياء أخرى!


محمد منصور عن موقع "الغراب" - مختارات من الصحف
(258)    هل أعجبتك المقالة (214)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي