أظن، من منطلق البعض الآخر للظن- ليس إثماً- أن من نقاط الهدنة التي تخفيها واشنطن وتحرجها موسكو بإعلانها، نشر خرائط تتعلق بالسيطرة على اﻷرض، سواء للثوار أو للدول المهيمنة، ﻷن ذلك، لو تم كشفه، سيؤدي إلى تناقض واشطن مع من تدعي دعمهم من المعتدلين، نظرا لتداخل "جبهة فتح الشام" جغرافيا مع جميع القوات المقاتلة على اﻷرض...أكثر ما يتعلق، بما قيل، وربما هو صحيح، أو ممكن على اﻷقل، بالسماح لبشار اﻷسد بالترشح بعد انتهاء ولايته الحالية والإبقاء على ضباط الجيش والأمن الذين أوغلوا بالقتل ولم تتلوث أيديهم بالدماء فحسب، من منطلق المحافظة على المؤسسات السورية التي بلعت طعمها المعارضة، وربما -مكفوفة وكافة- الاتفاق على التقسيم إن فشلت الهدنة، بدليل إشارة رئيس الدبلوماسية الأمريكية "إن فشلت الهدنة لم تبق سوريا موحدة" ليصار، ربما، إلى عمل تاريخي يضاف إلى سجل إدارة أوباما الحافل، تحسباً من الإدارة المقبلة، رغم أن "كلا الأخوين ضراطُ، وإن كان شهاب الدين أضرط من أخيه".
ورأينا ولم نزل، عن حملات إعادة إنتاج بشار الأسد، على أنه الضامن والأوحد والمناسب والأنسب، لدرجة الطلب الروسي من المعارضة التنازل عن شرط إسقاط الأسد، كبادرة حسن نية، بعد غياب أي ذكر لإسقاطه من خطابات أصدقاء الشعب السوري ومساعدته لفرض واقع الأمر قبل الهدنة، من أعدائهم، بل وتفشيل كل الدعوات والأدلة لإدانته، بما في ذلك جرائم الكيماوي بعد القرار الدولي وتسليم أداة الجريمة.

لكننا، قلما رأينا دفاعاً عن المؤسسات الأمنية بسوريا، حتى من عبيد الأسد وآله وصحبه، ببساطة لأن تلك المؤسسات، إن جازت التسمية طبعاً، لم يسلم من أذاها وسجونها وظلمها، أحد من السوريين، ولم تقم عبر تأسيسها الحديث، بزمن الأسد الأب، بأي عمل مخابراتي انعكس خيراً على البلاد أو العباد، بقدر ما كانت مراكز قمعية تكرّس المفهوم الأمني للدولة العميقة، وتساهم بتكريس فكرة القائد الخالد، على طريقتها الدموية طبعاً، فضلاً عن نشاطات كيدية وفتن بدول الجوار، ليصار إلى مسك مآخذ عن هذا تستخدم لاستفزاز ذاك، أو تخريب وتآمر بهذا البلد لتتهم به ذاك.
قصارى القول: نشر المثقف والكاتب والصحافي السابق، والبرلماني التشريعي الحالي، نبيل صالح على صفحته الفيسبوكية" يستفتي قراءه في كيفية تصويب النظرة الخاطئة والحكم المضلل المكوّن عن المؤسسات الأمنية.
لا أتجنّى على الرجل -أيضاً إن صح الوصف- وسأنقل لكم ما كتب حرفياً "كيف يمكننا معالجة التقارير الأمنية الكيدية، وكيف يمكننا إنقاذ المواطنين الصالحين من براثن الأشرار والحاقدين: كان (هاذا) واحد من المواضيع التي ناقشناها اليوم في اجتماع لجنة الأمن الوطني بمجلس الشعب بحضور رئيسة المجلس.
الواقع أن كتاب التقارير خربوا عمل المؤسسات الأمنية، وضللوا مدراءها، كما خربوا سمعتها، حتى بات عموم الناس يصنفون كل العاملين في (هاذي) المؤسسات على مستوى واحد باعتبارهم أشرار.. حيث سطحوا مفهوم العمل الأمني المعقد، وعرقلوا عمل الناس الناجحين، ودمروا حيوية المجتمع وإبداعه في وطن يعاني من هيمنة المحافظين على حركة الحداثة في المجتمع السوري الفتي.. وبما أني أمثلكم في (هاذي) اللجنة أطرح الموضوع للنقاش معكم للإفادة من آرائكم في عملنا، مع التنويه أني أعتبر أن العمل البوليسي تاريخيا بدأ مع عسس الخليفة عمر .. وفي العصر السوري الحديث بدأ مع عبد الحميد السراج وصلاح نصر في دولة الوحدة، وقد أثبتّ اسم السراج كمؤسس للعقل البوليسي في كتابنا "رواية اسمها سورية" بغض النظر عن الحكم الأخلاقي للأمر.. سورية الجديدة نحن من يصنعها وليس الخوارج".
وللتنويه، ودونما الوقوف على ما كتب النبيل الصالح، أو ما يرمي من كتابته أو ما أوحي إليه ليكتبه، ولا حتى الغوص في المغالطات التاريخية عن تأسيس المؤسسات الأمنية، أو تغيير أدوارها وانتماءات كوادرها، أو تغييب الأسد الأب عن الأمر، سبق لهذا العضو في لجنة الأمن الوطني، أن اقترح من ذي قبل، خطة متكاملة لا يأتيها الباطل من مكان، لتطوير عمل الحواجز الأمنية.
نهاية القول: ليس لسوري، أي سوري، ولا لمؤسسات ومراكز بحثية، أن تحيط بما فعلته المؤسسات القمعية المسماة زوراً "أمنية"، ولعل إيراد أمثلة أو قصص بهذا الشأن، ملهاة ومضيعة لوقت القارئ، إذ يكفي لأي سوري أن يذهب بذاكرته قليلاً، ليستحضر عشرات القصص والمظالم، التي عادة ما تنتهي بقتل أو إعاقة وانتهاك، ولعل من انتُهك عرضها أو قتل تحت التعذيب في تلك الأقبية المظلمة، وخلال الثورة فقط، كفيل برفع حرارة الجسم والشعور بالخزي للانتماء لتلك الطغمة، بل ولعن كل يوم سبق ثورة السوريين، وهم خانعون أمام تلك العصابة الأمنية.
لم يك أكثرنا تشاؤماً، يظن أن يأتي يوم على الثورة، تهبط خلالها سقوف المطالب للتخلي عن إسقاط مجرم وريث، كبادرة حسن نية، بعد أن قتل وهجّر أكثر من نصف السوريين، وجعل من سوريا ساحة صراع ترفع على أبنيتها خمسة أعلام لدول طامعة وعشرات الأعلام لمتطرفين أسعفوه بلحظات الضيق من السقوط والمحاكمة، كما لم يخل أحد من السوريين أن ترمى مظالم ودماء من قتلوا ولاقوا الإذلال بكل أطيافه بالأقبية الأمنية، على "كتبة التقارير الكيدية"..حتى لو كان الكاتب طالب التبرير من أبناء السلك.
ربما، من قبيل لزوم ما يلزم، الإشارة سريعاً لأمرين، الأول تلك الخيبة التي منيّ فيها السوريون، إزاء الخذلان بمحاربة حقهم بالحرية والكرامة، ومحاولات حرف ثورتهم للحد الذي وصل خلاله "الأمن" إلى مؤسسات وطنية خيرية، سواء ممن ركبوا على الثورة، من جياع المال ومرضى الضوء، أو من جهلة تم استخدامهم لأدوار وظيفية، وإن دون علمهم، لتصب بنهاية المطاف في صالح الأسد الوريث، أو حتى ممن ادعى صداقة السوريين فبث سموم ماله وخوفه وتبعيته بمفاصلها، كي لا يتطاير شرر الحرية فيقلب المنطقة ويعري الأذلاء والخونة.
والأمر الثاني الذي يجهله الجاهلون مروجو القتل وإعادة تدوير الأمن والأسد، أن الثورة بلغت عقول وضمائر الأحرار السوريين، منذ أول قطرة دم بدرعا، ولا يمكن لمرحلة استقواء أو بيع كعكعة خراب سوريا للحلفاء، أن يوقفوا الحلم، قبل نسف كل المعامل التي دورّت، وتحاول تدوير القمامة.
عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية