منذ نحو 5 سنوات، وبالتحديد عندما كانت تركيا من أول دول العالم والمنطقة المبادرة لاحتضان السوريين الهاربين من قمع نظام بشار الأسد.. من حينها يحس كثير من السوريين أن الشأن السوري هو شأن تركي بمعنى من المعاني، وأن الشأن التركي هو شأن سوري أيضا.
مع مرور الأيام وتشابك الأحداث وتعقد المشهد، تعمق هذا الاتجاه الذي يربط بين الشأنين، بل وربما يجعلهما واحدا، ووصلت سوريا إلى محطات كان التركي متفاعلا معها بدرجة تقارب جاره السوري صاحب القضية، كما اصطدمت تركيا بعقبات كان السوري أول القلقين منها والراجين لزوالها، وليس أدل على ذلك من محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت قبل نحو شهر، و"سهرت" فئة كبيرة من السوريين على وقع تطوراتها، ولم يقتصر ذلك على السوريين الذين هم داخل تركيا، حتى يقال بأنهم يردون نوعا من ردّ الجميل للبلد الذي استقبلتهم، بل شمل سوريين في مختلف بقاع العالم (الشتات)، وحتى السوريون داخل الوطن ممن أنهكهم القصف والجوع والحصار، ذهلوا عن كل ذلك تقريبا ليلة الانقلاب، متمنين لتركيا أن تنهض من الكبوة (وهم المصابون بكارثة)، وأن تتجاوز المطب (وهم الملقون في حفر من الإهمال والتخاذل).. وقد يكون أقرب تفسير لهذا هو اتفاق الضمير الجمعي لمعظم السوريين على حيوية ما قدمته تركيا وما ستقدمه لسوريا، وعلى مدى فداحة الخسارة التي يمكن أن تنجم فيما لو غاب هذا الدور أو تقلص، فكيف إذا انقلب رأسا على عقب، بفعل "انقلاب".

يوم الأربعاء 24 آب/ أغسطس 2016، كان السوريون والأتراك معا، على موعد جديد للإحساس الفعلي بترابط مصير الجارين، عندما تجاوز أول جندي تركي خط الحدود، وعبرته أول دبابة، برفقة مجموعات من الجيش الحر، بهدف تحرير "جرابلس"، في عملية هي الأولى من نوعها، حجما ومباشرة.
ويبدو أن ما بعد 24 آب لن يكون كما قبله، وأن تشابك علاقات سوريا وتركيا، سيزداد طردا مع زيادة زخم التدخل التركي، حيث سيكون الأتراك حكومة وشعبا في قلب الحدث، لا على خط التماس فقط، فيما سيعمد السوريون –بمجملهم- إلى تشييع ودفن آخر ما علق في أذهانهم من بقايا "منهاج البعث" حول الدور العثماني في سوريا.. ومن بقي منهم (أي من السوريين) لن يتوانى عن تشييع ودفن نظرية "السيادة" التي تغنى بها النظام طويلا.
من هنا.. من هذا الترابط الذي يحاول وصل ما انقطع من جسور، تحاول "زمان الوصل" أن تطل معكم بشكل دوري على الصحافة التركية، لتضع القارئ السوري، والعربي عموما، في صلب اهتمامات الإعلام التركي، لاسيما عند تطرقه للشأن السوري، والعربي، وما يمكن أن يتصل بهما.
*إنها البداية
بعد يوم واحد من التدخل التركي في سوريا، خرجت كل الصحف التركية الكبرى بعناوين عريضة حول عملية درع الفرات" (باللفظ التركي: فيرات كالكاني)، حيث قالت صحيفة "يني شفق" أقرب الصحف إلى الحكومة وإلى حزب العدالة والتنمية الحاكم في عنوان كبير يحمل أكثر من مغزى: "العسكر التركي في سوريا.. إنها البداية فقط"، وتوحي كلمة "البداية" أن أنقرة مصممة على تعميق وتوسيع تدخلها، لتحقيق أهداف أبعد من "تطهير" المنطقة الحدودية، أو استعادة بلدات ومدن سورية من أيدي تنظيم "الدولة" ووحدات الحماية الكردية.
ونوهت الصحيفة في عبارات فرعية بأن صبر تركيا قد نفد جراء التهديدات التي تعرض لها أمنها من قبل التنظيم والوحدات ومليشيا العمال الكردستاني، وأن معركة جرابلس شارك فيها ألفي مقاتل من "المعارضة" وطائرات "إف 16" ودبابات (من الجانب التركي).
وطغى الشأن السوري تقريبا بعناوينه على الصفحة الأولى من "يني شفق"، حيث تم إبراز تصريحات للرئيس التركي ووزير الخارجية في شأن عملية درع الفرات، فضلا عن تصريح لرئيس الحكومة "بن علي يلدريم" يؤكد فيه عزم بلاده على مواصلة تدخلها وعلى ضرورة "تطهير" منبج، التي دخلتها ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، الاسم الفضفاض لوحدات الحماية الكردية.
من جهتها أشارت صحيفة "ستار" إلى سرعة تحرير مدينة جرابلس التي "سقطت خلال 12 ساعة"، ونشرت صورة توضح كيف وضع المقاتلون التركمان عصابات زرقاء على سواعدهم تمييزا للمقاتلين الآخرين الذين شاركوا في العملية ووضعوا عصابات حمراء.
*مباغتة وفعالة
من جانبها اختارت جريدة "صباح" عنوانا رئيسا يقول: "جاري القضاء، لا عودة"، في إشارة إلى عزم أنقرة على إنهاء وجود التنظيمات التي تهدد أمنها، وطردها من المناطق الحدودية، في عملية لا رجعة عنها، ووصف الصحيفة هذه العملية بأنها "مباغتة، سريعة، فعالة".
وانتقت صحيفة "مللييت" عبارة مشحونة بالمعاني، وضعتها فوق شعار الجريدة، وهي "المحمديون في سوريا"، وعبارة "المحمديون" هي لقب شاع إطلاقه على عناصر الجيش العثماني ومن بعده الجيش التركي، وقد لجأ إليه "أردوغان" عندما أراد تذكير الجيش التركي بهويته الحقيقية، عقب مشاركة جزء من هذا الجيش في محاولة الانقلاب.
وأبرزت صحيفة "خبر تورك" مغزى تصريح لرئيس الحكومة يؤكد فيه أن أنقرة ماضية في عمليتها العسكرية حتى زاول التهديد، وهو ما يعني عدم وضع سقف زمني ولا مكاني للعملية، حيث لا أحد يعرف بالضبط حدود "التهديدات" التي على تركيا أن تتخلص منها في سوريا.
وأكدت صحيفة "حرييت" في عنوانها الرئيس أن "الدبابات التركية دخلت سوريا"، وأن جنود "درع الفرات" التي انطلقت في الساعة الرابعة من فجر الأربعاء، استطاعوا في السادسة من مساء نفس اليوم أن يبسطوا سيطرتهم على "جرابلس".
وتحدثت صحيفة "أكشم" عن "تنظيف مزدوج" يقوم به الجيش التركي، فيما يبدو إشارة واضحة إلى نية أنقرة القضاء على وجود تنظيم الدولة والمليشيات الكردية ضمن المناطق الحدودية.
وخصصت الجريدة عنوانا آخر لزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي "صالح مسلم"، وضعته في أسفل صفحتها الرئيسة، واصفة إياه بالمتعجرف، في تعليق على موقفه الرافض لتدخل تركيا، رغم أن أنقرة بدأت بمحاربة من يفترض أنها عدوه الأول (تنظيم الدولة).
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية