جاء الممثل والمخرج المسرحي الشاب "أسامة أبو عمرو" من مدينة حلب إلى مدينة "انتويرب" البلجيكية هارباً من الموت والدمار، ولم يشأ أن يكون لاجئاً مهمّشاً قانعاً بالعطالة واليأس، بل أراد أن يحمل رسالة عن الأوضاع السيئة في بلاده وعن أوضاع اللاجئين من أمثاله ممن نجوا من الموت، فقدم مع مجموعة من الشبان الهواة مشروعاً فنياً وهو عبارة عن مسرحية بعنوان "الموت من أجل الحياة"، لقيت صدىً لافتاً وغير مسبوق في بلجيكا والعديد من البلدان الأوروبية التي قُدمت المسرحية على خشباتها.
في العام 1996 بدأ أبو عمرو تجربته المسرحية ولم يكن قد بلغ 12 من عمره آنذاك، ودخل فيما كان يُعرف بمسابقات الطلائع لينال المرتبة الأولى على سوريا في مجال التمثيل.
ثم أُوفد إلى تونس لينال هناك المرتبة الأولى على مستوى الوطن العربي، وتابع أسامة، وهو من مواليد مدينة "الباب" 1984 في مسرح مديرية الثقافة ومع "أسرة المهندسين المتحدين" في حلب في مسرحية "باي باي يا عرب"، وتقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية عام 2004، ولكن لم يتم قبوله بسبب عدم توفر الواسطة والمال -كما يقول لـ"زمان الوصل".
بعد اندلاع الثورة في سوريا كان للفنان "أبو عمرو" نشاطات غنائية وبسبب إحدى الأغاني تم اعتقاله 9 أشهر في فرع المخابرات الجوية، وبعد الإفراج عنه خرج إلى تركيا وحاول هناك أن يجد موطئ قدم في الحركة الثقافية والفنية هناك فلم يفلح.
ولجأ بعدها إلى بلجيكا –مدينة "انتويرب" في الشهر السابع من عام 2015، وهناك -كما يقول محدثنا- تعرف على شركة "kunstZ" البلجيكية، وكان لدى هذه الشركة دورة في إعداد الممثلين وبرنامج لدعم اللاجئين الجدد فعرض عليهم -كما يقول- فكرة مسرحية ينوي العمل عليها، فطلبوا منه أن يختار فريقاً مسرحياً للعمل معه يقول "أسامة": "جمعت عدداً من اللاجئين ممن كانوا معي في الكامب وأغلبهم سوريون وعراقيون وبعض الشبان البلجيكيين، وكوّنا فريقاً مسرحياً أطلقنا عليه اسم "Dying for life" -أي "الموت من أجل الحياة".
وبدأ الفريق بروفات المسرحية التي حملت ذات الاسم في الشهر التاسع من العام 2015 وفي 15/ 3/2016، وتمكّن من إجراء بروفة "جنرال" بعد أن أتاحت لنا إدارة الكامب استخدام مكان فيه للتدريب.

تحكي المسرحية "الموت من أجل الحياة" معاناة اللاجئين واختيارهم لطريق الموت وصولاً إلى الحياة بأمان واطمئنان، وكيف كانوا يعيشون في وطنهم آمنين، وفجأة تغيرت الظروف واندلعت الحرب، ويتألف العمل المسرحي -كما يوضح مخرجه- من مشهد رقصة الموت، ثم تأتي المشاهد الأخرى بالترتيب لتصل إلى بطل المسرحية الذي يموت شقيقه الطفل الذي سبقه إلى أوروبا ليجري لم شمل، ولكنه يغرق في البحر ويموت، فينهار بطل العمل وينفجر غضباً على الحكومات العربية محمّلاً إياها مسؤولية مقتل شقيقه، ويتم اعتقاله وقطع رأسه في مشهد مأساوي.
قدمت الفرقة عرضها على مسرح "Rataplan" الكبير في بلجيكا وعلى أحد مسارح وارسو ببولندا، ويتهيأ فريق العمل لتقديمه في كل "لوس انجلوس" بالولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى السويد وفنلندا وايرلندا وبريطانيا (مانشيستر)، وثمة دعوة من فريق شباب سوريا الغد - الدكتور كافي الإبراهيم لتقديم العمل في ألمانيا.
ولفت محدثنا إلى الأثر الجيد الذي تركه العمل المسرحي، مشيراً إلى أن بعض من حضروا عرضه في بولندا أرسلوا له رسالة كُتبت باللغة العربية يقولون فيها: "أسامة المسرحية ممتازة جداً نتمنى أن نراك ثانية هنا".
وأشار أبو عمرو إلى أن "تفاعل الجمهور البولندي مع المسرحية كان قوياً ولافتاً لدرجة أن بكاء الجمهور-كما يقول- صعد إلى خشبة المسرح، وكان لهذا الأمر تأثير إيجابي على طاقم العمل الذين وظفوا كل طاقاتهم الداخلية لإبرازه بأفضل شكل.
وحول التحديات التي واجهت فريق العمل أشار أبو عمرو إلى أن "أولى هذه التحديات هي مشكلة اللغة، سواء اللغة الإنكليزية أو لغة البلد الذي نحن فيه" ولكن بفضل الطاقات الفنية الموجودة في داخل كل منا تمكنا من تجاوز هذه المشكلة".
وختم محدثنا أن "الصمت أشد لسعاً من فصاحة القول ونحن كلاجئين لم نأت إلى دول أوروبا لنأكل ونشرب ونتقاضى رواتب بل لأن لدينا مشاريع وأفكارا تخدم بلدنا ويجب أن نقدم شيئاً لهذا البلد الذي يموت الآلاف من أبنائه دون ذنب على يد نظام ديكتاتوري استبدادي ظالم".
وتعكف الفرقة على إنجاز فيلم يحمل الاسم ذاته وهو من إخراج "Andrés Lübbert" ومن المقرر عرضه على قناة "Canvas" البلجيكية الشهر التاسع من هذا العام.
وشارك في مسرحية "الموت من أجل الحياة" كلٌ من مخرج ومؤلف العمل أسامة أبو عمرو، و فهد عطية، توفيق النجيفي، مصطفى جواد - سيف الهلالي - محمود الراوي، محمد دهمان حيمود، لؤي محمد هاشم -ودارا شيخي. فضلا عن مسؤولة الاتصال Enrica Camporesi والممثلتين البلجيكيتين "Marieke Dilles" و"Mellany Banis".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية