أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"كابوس" أنقرة و"حلم" واشنطن.. هل عقد الأتراك صفقة مع الأمريكان على وقع معركة منبج؟

جنود أتراك قرب الحدود مع سوريا - الأناضول

سرت كلمة "سري" كالنار في الهشيم، بعدما اتخذتها صحيفة "لوموند" الفرنسية لتوصيف اتفاق بين أنقرة وواشنطن، بشأن المعارك الدائرة في "منبج" ومحيطها، تحدث وزير الخارجية التركي "مولوت تشاووش أوغلو" عنه باقتضاب للصحيفة الفرنسية.

ونظرا لما تملكه كلمة "سري" من قدرة على إثارة الإيحاءات المختلفة، بما فيها عقد صفقة ضخمة بشأن سوريا، سارعت وزارة الخارجية التركية وعلى لسان متحدثها الرسمي لنفي هذه الصفة، والتذكير بأن تصريحات "تشاووش أوغلو" لم تأت على ذكر هذه الكلمة إطلاقا.

وقال الناطق الرسمي "تانجو بيلكتش" إن صحيفة "لوموند" أساءت في اقتباس كلام الوزير، عندما سألته عن شكل الاتفاق الذي عقدته بلاده مع واشنطن بشأن معارك منبج (ريف حلب)، فرد الوزير التركي موضحا أن "التعاون القائم هو على مستوى الأجهزة العسكرية في كلا البلدين"، ولذا "لايمكنني إعطاء تفاصيل حول قضية تخص التعاون العسكري".

كلام "تشاووش أوغلو" كان واضحا ومفهوما، فصلاحيات الرجل من حيث المبدأ محصورة في المجال السياسي والدبلوماسي، وليس له على الغالب اطلاع عميق بما يعقد من اتفاقات عسكرية، وإن كان له اطلاع فهو غير مخول ولا مفوض بالحديث عنه.

لكن "لوموند" لم تستوح من كلام الوزير هذا الأمر، واكتفت بنحت كلمة "سري" لتدمغ بها اتفاقا بات معروفا بين الولايات المتحدة وتركيا، يركز أكثر ما يركز على إبعاد مليشيات "حزب الاتحاد الديمقراطي" عن غرب الفرات، أي المناطق السورية التي يمكن أن تتصل يوما ما –وبشكل من الأشكال- بجنوب تركيا، فتنشط "البراكين النائمة" لتقذف بحمم الاقتتال والانفصال الكامنة تحتها إلى السطح.

تركيا لم تنف الاتفاق الأمريكي التركي إذن، لكنها اعترضت على توصيفه بـ"السري"، ربما مخافة أن تأخذ هذه الكلمة أكبر من حجمها عند تأويلها، رغم أن الاتفاق في حقيقته "سري" لأن بنوده لم تعلن، ولأن تفاصيله غير معروفة، والأهم من ذلك لأن حدود تداعياته على المشهد السوري غير قابلة للتكهن.

سرية الاتفاق التركي الأمريكي حول "منبج" تنبع من إخفاء تفاصيله، كما تنبع من "خفاء" تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على الوضع الميداني، الذي يملك كلمة فصلا في رسم الخرائط وتوزيع الامتيازات وتحديد الأوزان، عندما يتخذ "اللاعبون الكبار" قرارا حقيقيا ونهائيا بوجوب تجفيف منابع الحرب والصراع، وإطلاق "عملية سياسية" بخصوص سوريا.

في "اتفاق منبج" إذا صحت تسميته، "منبج" ليست إلا العنوان لأنها الهدف القريب، وهناك فيما "بعد منبج"، خطوط وحدود يتسابق الجميع في الداخل والخارج على رسمها، وأنقرة ليست استثناء هنا، بل هي على رأس المسارعين، فتمدد المليشيا الكردية في "غرب الفرات" –وما أدراك ما غرب الفرات وما يثيره من معان في رأس الساسة والعسكر الأتراك- كان أحد عوامل الضغط الحقيقي التي أسهمت في "ثني" منحنى السياسة التركية وإعطائه شكلا مختلفا عما كان "أردوغان" شخصيا يرسمه بخطابه الثابت-المتحرك.

لماذا إذن يبقى الاتفاق طي الكتمان، ما دام هدفه معلنا على الأقل من الجانب التركي، هناك جوابان، أحدهما بسيط يقول إن السرية هي طبيعة الاتفاقات العسكرية والاستخبارية، وما من دولة مهما علت في سلم الشفافية مستعدة للتفريط ببنود معاهداتها التي تمس أمنها القومي، ونشرها على الملأ.

أما الجواب المعقد، فهو حمّال أوجه، لكن المليشيا الكردية بلا شك في صلبه، لأنها "العامل المشترك" بين واشنطن وأنقرة، مع افتراق العاصمتين وتناقضهما حياله، فما يراه الأمريكان "حلماً" ويعتقدونه "أملا" مستحقا في دحر تنظيم "الدولة"، يراه الأتراك "كابوسا" لن تكفي "التعويذات المحلية" لطرده، ولابد من الاستعانة ولو مرحليا بالخصوم وحتى بالأعداء إن لزم الأمر، وإلا فإن تركيا الحالية بجغرافيتها وبنيانها السياسي والاقتصادي ستواجه مزيدا من التحديات.

أخيرا، وإن بشكل متأخر، تدرك أنقرة أن النار السورية الموقدة منذ 5 سنوات ويزيد، نار لايمكن الاكتفاء بالماء لإطفائها، ولم يعد هناك مفر من اتباع طريقة إطفاء النار بالنار، وقد يكون الاتفاق الأمريكي التركي نارا صغيرة معدا لمواجهة نار أكبر.. وتبقى العبرة بالخواتيم لمعرفة مدى نجاح التكتيك التركي الجديد.

إيثار عبدالحق - زمان الوصل
(97)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي