من المقرر أن تبدأ في وسط بيروت هذا الشهر عملية إعادة إعمار وترميم الكنيس الرئيس لليهود في لبنان الذين لم يتبق منهم سوى عشرات، لا يتجاوز عددهم المئة، معظمهم من كبار السن الذين يتحاشون إعلان انتماءهم الديني، ويعيشون بهدوء في المناطق ذات الغالبية المسيحية شرق بيروت حيث يعتقد الناس أنهم مسيحيون. كان عدد اليهود في لبنان خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي نحو 16 ألفاً، تركزت إقامتهم في بيروت، ولا سيما في حي حمل اسمهم "حي اليهود" واسماً آخر هو "وادي بو جميل" حيث كانت لهم مدارسهم الخاصة ومؤسساتهم وأشغالهم وبيوتهم يمارسون فيها تمط حياتهم ولا يتميزون عن بقية اللبنانيين سوى بلكنة عند لفظ بعض الكلمات، تحمل على الظن أنهم من أصول حلبية .
وشهد حيهم أسوأ المعارك بين الميليشيات الإسلامية والمسيحية والفلسطينية خلال حرب لبنان الطويلة ( 1975 - 1990) فغادروا البلاد على دفعات قبل نشوء دولة إسرائيل عام 1948 وبعدها. وتشبت جزء منهم بالبقاء لكنهم اضطروا إلى الرحيل في نهاية الأمر، على غرار كثر من اللبنانيين، ولكن بفارق أنهم غادروا جميعاً وخلفوا آثارهم خلفهم. ويقول اليهود اللبنانيون في رواياتهم المتناقلة حول أصولهم إنهم جاؤوا إلى هذه البلاد من إسبانيا حيث اضطهدوا بعد إخراج المسلمين منها .
|
وكان عاملان أخرا عملية ترميم الكنيس الأكبر، أولهما أن القانون الذي ينظم عمل شركة "سوليدير" يفرض عليها أن تنسق مع لجان الوقف في ترميم أي معلم ديني أكان كنيسة أم جامعاً أم كنيساً ولم يجرؤ اليهود في لبنان على تكليف أحدهم مهمة إدارة الوقف ليكون التنسيق معه. أما العامل الآخر فكان عقبة غير مرئية ولكن رئيسية ، وقد حلت بأن أبلغ "حزب الله" المعنيين دعمه عملية إعادة إعمار الكنيس وترميمه .
وقد وافق زعماء الطائفة اليهودية في لبنان على مخطط المشروع الذي ستنفذه "سوليدير" بعدما اشترت منهم "مدرسة التلمود" المجاورة للكنيس . وهم في غالبيتهم مقيمون في الخارج، لا سيما في الولايات المتحدة وكندا ودول أميركا اللاتينية، ولهم أملاك عديدة في بيروت تمكنوا من استردادها من محتليها بعد الحرب ويديرها محامون.
ويرفض اليهود الباقون في لبنان بشدة التحدث إلى الصحافة بصفتهم هذه، خصوصاً أنهم تعرضوا لموجة اغتيالات حصدت 11 من أبناء طائفتهم ولم توفر رئيسهم الروحي عام 1985 ، في عز موجة خطف الأجانب وصعود "حزب الله" . في تلك الحقبة كان عدد الباقين منهم في لبنان نحو 200 فقط .
ولكن يسهل الإتصال بأبناء هذه الطائفة اللبنانيين عبر موقع أنشأوه على شبكة الإنترنت يحمل اسم "يهود لبنان". علماً أن أسماؤهم لا تزال تظهر في لوائح الشطب عند كل انتخابات بلدية أو نيابية، لكنهم لا يحضرون ولا يقترعون. إلا أن أحدهم ظهر في الإنتخابات النيابية الماضية عام 2005 في قلم اقتراع وأدلى بصوته، وقال أنه وأفراد طائفته لبنانيون مثل بقية اللبنانيين ويتمسكون بوطنهم ولا علاقة لهم بإسرائيل، رغم أن طائفتهم تسمى ب "الإسرائيلية" في القانون اللبناني الذي يعترف بها إلى جانب 17 طائفة أخرى تشكل مجموع الشعب.
|
والواقع أن الدولة اللبنانية على مر لم تمارس قط أي تمييز أو "اضطهاد رسمي" ضد مواطنيها اليهود، خلافاً لما حصل ويحصل في العديد من الدول العربية الأخرى.
والغريب أن حراس شركة "سوليدير" لديهم أوامر مشددة بمنع تصوير الكنيس الأكبر الذي يحمل اسم ماغن ابراهام ويعود بناؤه إلى عام 1930 ( هرع إلي بعضهم ما أن توقفت لألتقط بعض الصور للكنيس المهجور واتصلوا لاسلكياً بالمسؤول عنهم ثم أبلغوني أن ثمة قرارا بمنع التصوير).
وستبلغ كلفة إعادة الإعمار والترميم نحو مليون دولار، وفقا لإحدى الشخصيات اليهودية في لبنان إسحق أرازي، الذي أضاف أنه تمكن حتى اليوم من جمع 40 ألف دولار لهذه الغاية وستدفع شركة "سوليدير" 10 في المئة من الكلفة وفقا للقانون الذي يلزمها ذلك حيال الطوائف اللبنانية التي تريد ترميم مراكزها الدينية التي يعج بها الوسط التجاري ( 11 كنيسة، 10 مساجد، وكنيس) .
ويوضح أرازي أن عائلة صفرا- اللبنانية اليهودية البارزة منذ الأربعينيات والشديدة الثراء واشتهر منها المصرفي إدمون صفرا الذي قضى احتراقاً في أحد فنادق فرنسا قبل أعوام - تكفلت رفع مساهمتها فور مباشرة ورشة إعادة الإعمار والترميم، كما أن مصرفين سويسريين أسسهما لبنانيون يهود قررا تقديم 100 ألف دولار مساهمة في المشروع . أما المشروع الآخر الذي يتطلع إليه أرازي فهو ترميم مقبرة بيروت في وسط بيروت أيضاً والتي تضم رفات 4500 شخص.
وفي دير القمر عاصمة منطقة الشوف كنيس مرمم ولكن لا يهود للصلاة فيه ، فهم يقومون بعباداتهم وصلواتهم في منازلهم، والأرجح أن لا حاخام بينهم، ويحصلون على مأكولاتهم اليهودية والفطير من دمشق أو أوروبا، وغالبهم في أواخر العمر.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية