أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن طنوس و ونوس وغيرهما!*

ميخائيل سعد في خيمة إفطار رمضانية بمدينة اسطنبول

في شتاء عام 1985، اجتمع رهط من "اليساريين" الحماصنة في بيتي الواقع على "خطوط التماس"، في نهاية القسم المسيحي من الحي وبداية قسمه السني.

سبب هذا التوصيف "الطائفي" هو علاقته بالحديث الذي دار بين بعض "يساريّ" ذلك الزمن. 

سألني أحدهم: ألست خائفا من السكن في هذا المكان؟
قلت له: ولماذا الخوف؟
قال: إنك في وسط المسلمين، (وقصده السنة)، هل نسيت مظاهرات السبيعنيات التي مرت من هنا والناس تهتف: بدنا نحكي عالمكشوف، لا طنوس ولا ونوس بدنا نشوف!

قلت له: أولا يجب وضع هذه المظاهرة في سياقها الحقيقي، ما يعني إنها مظاهرة سياسية لحزب سياسي، ثانيا إن هذا الحزب قال للناس إن رئيس الدولة العلوي يريد إلغاء دين رئيس الدولة من الدستور الجديد، ثالثا، المظاهرة، رغم كونها مسيسة، كانت ضد مشروع الدستور الذي سنّه وفصّله حافظ الأسد على قياسه، فلماذا يجب علي أنا (طنوس، يعني المسيحي)، وأنت (ونوس، يعني العلوي) أن نخاف من هؤلاء الناس المتظاهرين البسطاء، الذين يحتجون أساسا، مثلنا، على سياسات حافظ الأسد؟

ولما رأيت أن جوابي لم يقنعه، تابعت قولي: لنفترض أنه حدثت مظاهرة غدا، ورافقها فوضى من تكسير محلات ونهبها، وهو ما تسعى إليه السلطة، وأن أحد "الزعران" دخل بيتي ووجد زوجتي وحيدة أو أختي، وقام باغتصابها، هل يجب علي اتهام كل المعارضين لحافظ الأسد بأنهم مغتصبو نساء ولصوص، وهي يجب أن أصف كل المسلمين (السنة) بأنهم مغتصبون ونهابون؟ أهذا ما تريدني أن أقوله كي أبرر خوفي من السكن في وسط الناس؟

لم أكن في ذلك الوقت، أي قبل ثلاثين عاما، أدافع عن السنّة، وإنما كنت أدافع عن قناعاتي القائلة إن الكتلة الكبرى من الناس هم بشر طيبون وأبناء بلد، بالتعبير الشعبي، وأن هناك دائما بعض "الزعران" الذين يستثمرون غضب الناس وإحساسهم بالظلم، كي يحولوهم إلى أدوات ضغط أو عصي أو بنادق، للحصول على مكاسب سياسية.

ذكرني بتلك الواقعة صديقان؛ بعد كل الخسائر، غير المأسوف عليها، التي منيت بها أثناء سنوات الثورة، استطاعت علاقة الصداقة التي تربطني مع أحد السوريين أن تقاوم كل الهزات التي دمرت القسم الأعظم من النسيج الاجتماعي السوري، وكنت سعيدا بذلك.

هذا الشخص ليس من عامة الناس، فنحن، كمدعي ثقافة وسياسة، فشلنا تاريخيا في إنشاء علاقات مع عامة الناس، وبقيت علاقتنا محصورة في أوساط من يشبهنا، لذلك يمكنني القول إن صديقي هذا كان خريجا جامعيا، وله تجربة واسعة بالحياة، وهناك درجة عالية من التواثق بيننا، أو هكذا كنت أظن.

أحد الأيام غير البعيدة، وكنا نسير معا في مشوار صباحي، قلت له: من خلال تجربتي، أستطيع القول إن الإسلام التركي يختلف عن الإسلام السوري.

فجأة تغيرت لهجته وعلا صوته، وبدا كأنه يخاطب عدوا: حلّو عن الإسلام، حاجي بقا. ما في إسلام تركي وإسلام سوري، فيه إسلام واحد وبس.

تملكتني الدهشة من كلامه ومن اكتشاف بُعد جديد في قناعاته، لم نكن خلال العشرين سنة المنصرمة من صداقتنا، قد تعرضنا له.

قلت له: لن أناقشك في ما تقصده من "حلوا"، ولا أريد معرفة لمن تعود "واو الجماعة" في هذا الأمر، لأن في ذلك إهانة لن تتحملها صداقتنا، ولكن أريد مناقشتك في فهمك أنه لا يوجد إسلام تركي وإسلام سوري، وأن هناك إسلاما واحدا فقط.

أولا، لا بدّ لي من توضيح صغير وهو أنني لم أقل إن هناك قرآنا تركيا وقرآنا سوريا بل قلت إسلاما تركيا وإسلاما سوريا، وكما تعلم يا صديقي فإن الإسلام كدين يحمله بشر ويفسره بشر ويمارس طقوسه بشر، وهؤلاء البشر يخضعون لظروف سياسية واجتماعية وثقافية وجغرافية مختلفة مما يترك أثره على فهمهم وممارستهم لدينهم ويطبعه بطباعهم وعاداتهم وثقافتهم وظروفهم.

وإذا كان الإسلام، كما تفضلت وقلت، واحدا، فلماذا يوجد إسلام سني وآخر شيعي، ولن أتكلم عن إسلام الطوائف الصغيرة الأخرى. وهل إسلام السعودية هو كإسلام مصر، وهل إسلام بعض الفرنسيين يشبه إسلام بعض الأفارقة مثلا؟ وهل إسلام اندونيسيا كإسلام كازاخستان مثلا آخر؟

أخيرا، ألم تلاحظ بنفسك الفرق بين طقوس الإفطار الرمضاني بين منطقة وأخرى من مدينة اسطنبول ذاتها، حتى لا نتكلم عن قضية كبيرة وعن الفرق بين إسلام المتصوفة وإسلام السلفية الجهادية مثلا، وهل يحق لك أنت فقط (المسلم السني) أن تتكلم عن الفروق بين إسلام وآخر، وعندما أقول أنا "السوري المسيحي الولادة" إن الإسلام التركي يختلف عن الإسلام السوري، ترد، بطريقتك الاتهامية تلك، على ملاحظة واضحة، ابتداء من شكل الحجاب المختلف وانتهاء باختلاف الممارسة السياسة، صدرت مني؟؟!!

طريقتك بالرد جرحتني يا صديقي، ولكنها لن تجعل مني "طنوس أو ونوس" بل دفعتني أكثر كي أرى المشترك بين السوريين وأعتز باسم ابنيّ عمرو ورامي، فقد كانا هكذا قبل الثورة وسيستمران هكذا بعدها، وينميان في ظل صداقتنا.

ولن يدفعني انفعالك الآني، الذي قد يكون له مبرراته الكثيرة أحيانا، للخوف من السكن بين أبناء بلدي، مهما كان دينهم.

أخيرا، لن أنسى أن ما أكد ضرورة كتابة هذا المقال البوحي، هو لقائي، قبل أيام، مع صديق افتراضي يسكن في اسطنبول ايضا، فقد قال لي: كنت بصدد الرد على أحد "بوستاتك" التي تتكلم فيها عن الحجاب، ولكن ما منعني من ذلك شهادة أكثر من شخص بأن قلبك أبيض مثل الثلج ولا تقصد سوءا بالإسلام.

كدت أمرض من الثلج وبياضه وهشاشته، ومن سذاجة الخلط بين الإسلام والحجاب والمسلمين والصيام والإفطار والجنة والنار، ورأيت أن خير وسيلة للعلاج، هي التفكير بصوت عال، عبر الكتابة والنشر.

*ميخائيل سعد - من كتاب "زمان الوصل"
(214)    هل أعجبتك المقالة (195)

Dr Peter Faris

2016-06-24

في ادبيات الكتابه في كندا ان اسوأ كتابه هي التي تكون بدون مقدمه وافيه، بدون فكره رئيسيه وخاتمه واضحه،اضافه لان تكون غير متوقعه . للاسف كل ما حاولت ان اقرأ كتابتك يصيبني عسر فمن رابع كلمه افهم ما ستقول انا احب المسلميين ولست طائفيا واعتذر عن انني ولدت مسيحيا. هذه كل افكارك ،اهي اعتذار وطلب مغفره لاخذ الراب من كفيلك ام قناعه لا اعلم ما اشعر به انك عار على من انتسبت بالولاده لهم ، وعدد التعليقات في اسفل مقالاتك يدل على ذلك اشكر موقعكم لحريه الرأي بدون حدود التي تمنع التعليقات لتذكرني دائما ان الرأي هو لي ولا احد يناقش حتى .....الكتابه.


محمد علي

2016-06-25

الدك تور فارس : هل تهزكم و تقتلكم كلمة الحق ؟.


د بيتر فارس

2016-06-27

السيد محمد علي لا اعتراض عليك ان تعبد ما تريد فهي مصيبتك وحياتك ، انا اعترض علي من يكرر تفاهاته ليحصل على راتب كفيله. اعبد وكن ما سئت فلا يفيدني او يضرني بشيء تجعجعوون وغيرك يفكر ويعمل ويبدع. ولا تاثير لمعتقداتك وحقيقتك على شيء. نيويورك.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي