مع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يمكنك أن تنعم بأجواء رمضانية مميزة، فالرجل لا يقصر بتقديم التهاني بمناسة الشهر الفضيل، حتى أنه وعبر صفحته على "فيسبوك" يقدم لك أيضاً "دُسير" ما بعد الإفطار بوصفة مميزة لتحضير الكنافة النابلسية.
وإذا أردت أن ترد التحية على أفيخاي فما عليك إلا تهنئته بعيد "شفوعوت" وهو عيد الماء، أو عيد الحصاد أيضاً، وعلى سيرة الماء فإن أفيخاي يعرض لك صور جنود البحرية الإسرائيلية وهم يحتفلون عبر تدريبات عسكرية بحرية، دون أن يتطرق الرجل بالمطلق إلى المناورات الروسية الإسرائيلية غير المسبوقة.
تقول مصادر المخابرات الإسرائيلية إن هذه المناورات تعتبر الأولى في التاريخ العسكري في الشرق الأوسط، وإن طائرات روسية ستنطلق من قاعدة حميميم في سوريا، فيما ستبحر سفن حربية روسية من قواعدها في طرطوس واللاذقية، للمشاركة في مناورة مع طائرات حربية إسرائيلية، وسفن حربية تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي، والتي ستنطلق من قواعدها في حيفا وأسدود.
هل فعلاً قرر الإسرائيليون الانتقال من على ظهر الأميركي إلى الظهر الروسي، وإذا كان الأمر كذلك وفق نتائج آخر زيارة قام بها نتنياهو إلى موسكو، فما الذي يمنع من أن يكون مسلسل "باب الحارة" مموّلا من ميزانية العلاقات العامة لجيش إسرائيل، والتي يدير شؤونها على الجانب العربي أفيخاي أدرعي، وما الذي يمنع من أن يكون كاتب السنياريو هو أفيخاي "ذات نفسو".
لكن يخطر في البال بضع أسئلة نبدو معها ـ نحن العرب ـ كحمير تدور في ساقية، من الأسئلة التي لا تثير شهية الخطين القومي والممانع، هو نوع التفويض الذي منحة بشار الأسد لبوتين حتى يستخدم الأراضي السورية في مناورات مع إسرائيل، أهو تفويض دفاع مشترك، أم حماية السيادة، أم محاربة الإرهاب.
إذن ما الذي سيقبضه الإيرانيون وحزب الله، واللذين يقاتلون بميليشياتهم في جميع المدن والأراضي السورية من حدود الجولان المحتل وصولاً للحدود التركية، وعلى ماذا يختلف نظام الأسد والمحتل الإسرائيلي، والسؤال الأهم والأكثر إلحاحاً اليوم هو "من نحن".
كنت أتابع قبل فترة قصيرة جدلاً بين سوريين عارفين في التاريخ، لم يكن جدلاً على قاعدة التناقض، بل جدلٌ على المؤكد، إذ يتحدث هؤلاء العارفون عن المفاوضات التي جرت بين صلاح جديد وحافظ الأسد من جهة، والإسرائيليين من جهة ثانية حول تسليم الجولان وإعلان الانسحاب منه دون أن تدخله إسرائيل، حيث يحدد الجدل وزير الإعلام الأسبق سامي الجندي بصفته مديراً للمباحثات مع إسرائيل، ويظهر في الصورة متآمرون آخرون بينهم عبد الحليم خدام ويوسف زعيِّن، وصولاً إلى إبلاغ القرار إلى رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي ورئيس الأركان اللواء أحمد السويداني.
يتذكر السوريون الذين عايشوا الحدث البيان رقم /66/ المذيّل بتوقيع حافظ الأسد قائد القوى الجوية آنذاك، حيث تقول إذاعة دمشق الرسمية تمام الساعة التاسعة والنصف من يوم 10 حزيران ـ يونيو 1967 "إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة وكان طيران العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى، وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل، إن الجيش ما يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن، كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد ستأخذ مراكزها في المعركة".
بعد تسعة وأربعين عاماً من حكم الطائفة السياسية، وبعد ملايين البيانات والخطابات والمحاضرات في القومية والمقاومة والممانعة، ما الذي يمنع من أن نكتشف أننا لم نكن نريد الاكتشاف، وأننا كنّا فقط ننام على ضميرنا، ونعلم أنه لا الجولان في أحلام "قرطة" الأسد ولا فلسطين ولا حتى دمشق في وقت لاحق.
وماذا يمنع أن نقول لابن العم أفيخاي عيد "شفوعوت" مبارك، وأن يبادلنا الرجل آيات المحبة والسلام، وأن يدخل جيشه أكياس الأرز والسمن والزيت إلى عائلات في القنيطرة تحضيراً لحصادٍ مرٍّ على السوريين، حصادٌ بوادره اجتياح لمساحات من الأراضي تحت أعين الروس وعاملهم بشار الأسد.
إنها بداية الحرب لا نهايتها، لكنها حرب طويلة يا حمزة ويا غياث ويا حسين الهرموش، إنها دورة التاريخ، نعرفه ويعرفنا في هذه الأرض، فقط نحن الذين بقيت دماؤنا على جدران القدس منذ 2000 عام، وبقينا نحلم بالسلام ونقرأ عنه في خطب حافظ الأسد وهنري كيسنجر وجورج بوش، يقتلوننا وهم ينالون الأوسمة وجوائز "نوبل".
يتفاجأُ بك المارّون أيها المذبوح كل جيل حتى لا يمر زمن إلا وبينكما هذا الحوار: "هو أنت ثانية .. ألم أقتلك؟.. قلتُ: قتلتني ونسيت مثلك أن أموت".
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية