
يسهم تاريخ بعض المنتسبين لتنظيم "الدولة" في تعكير الصورة "الصافية" التي يطبعها المناصرون في أذهانهم عن التنظيم، بوصفه "دولة خلافة" نصّبت نفسها حاكما على المسلمين، وحكما عليهم ومصنفا لهم وفق درجات وتسميات مختلفة.
ويظهر أرشيف التنظيم الذي تملك "زمان الوصل" منه آلاف الوثائق، وجود فئة من العناصر ذوي السوابق والسجل الجنائي، الذين لم يحجبهم ماضيهم عن الاندفاع نحو الالتحاق بالتنظيم دون خوف أو وجل، رغم أن الاعتقاد السائد لدى عامة الناس عن قسوة التنظيم وشدته المفرطة حتى نحو من يرتكبون الهفوات، أو المخالفات البسيطة.
*3 أنواع
ينقسم ذكر السجون في وثائق التنظيم إلى 3 أقسام مبدئيا، الأول يختص بأصحاب السجل الإجرامي ممن سجنوا لأسباب جنائية، والثاني يتعلق بمن ارتادوا السجون على خلفية نشرهم أفكارا "جهادية" أو مشاركتهم في "الجهاد" أو نشاطات أخرى، والثالث والأخير يكشف عن تلقي بعض الملتحقين بالتنظيم تزكيات من أشخاص ما زالوا داخل السجون.. وستعرض "زمان الوصل" أدناه نماذج من الأنواع الثلاثة.
وفيما تذكر بعض الوثائق أسباب سجن العنصر الملتحق بالتنظيم، تُغفل وثائق أخرى هذه الأسباب، وتكتفي بذكر عبارة "سجن" أو "مسجون" دون تبيان التفاصيل (المدة، الأسباب).
فعلى سبيل المثال تكشف الوثيقة الخاصة ببيانات "أبو هشام الألماني" أنه سجن سنتين في قضايا جنائية ومشاجرات، حسب ما دُون في خانة الملاحظات، أما "أبو عبدالرحمن الإيراني" الذي للتنظيم أواخر أيلول/سبتمبر 2013، فتذكر وثيقته أنه سافر إلى باكستان، و"سجن" فيها دون ذكر المسببات أو مدة السجن.
"أبو سعد الشرقي" القادم من السعودية، أجاب عند سؤاله "ما هي مهنتك قبل المجيء" بأنه "مسجون سابق"، وأن أحد من زكاه وأوصى بالتحاقه بالتنظيم هو "أبو نوفة الجزراوي"، الذي تصفه الوثيقة بأنه "مسؤول عن البيعات في الرقة"، أي المسؤول عن تجنيد الفصائل والسكان وضمان تبعيتهم وولائهم لـ"أبو بكر البغدادي" وللتنظيم.
ويحوي النموذج الموحد المعنون بـ"بيانات مجاهد" 23 حقلا، تدون فيه "الإدارة العامة للحدود" مختلف المعلومات الرئيسة التي تخص العنصر الملتحق، مثل اسمه الحقيقي والحركي واسم أمه، وتاريخ مولده وجنسيته وعمله وتحصيله الدراسي والشرعي، والبلدان التي سافر إليها، وخبراته في "الجهاد".
*جنايات
وتكشف الوثائق في جملة ما تكشف أن "أبو يوسف المغربي" ومواطنه "أبو البراء المغربي" دخلا سوريا معا في نفس التاريخ (8-2-2014) ومن نفس المعبر (تل أبيض)، وأنهما أجابا على سؤال "ما هي مهنتك قبل المجيء" بجواب واحد هو: "مسجون"، بل وذكرا نفس الشخصين (أبو جابر المغربي، أبو ضياء المغربي) عندما سئلا "هل لديك تزكية ومن من؟".
ويبدو من تطابق تاريخ ونقطة الدخول وتطابق أسماء المزكين، أن المغربيين "أبو يوسف" "وأبو البراء" كانا في نفس السجن، وربما خرجا منها في نفس التوقيت أو توقيت متقارب.
وتقر بعض الوثائق بوجود ملتحقين ذوي سجل جنائي فاقع، مثل "أبو عمر الفرنسي" الذي ذُكر في خانة "ملاحظات" أنه "دخل السجن خمس سنوات من أجل سرقة في بيت أحد اليهود ومن حيازة سلاح".
وتقول المعلومات المدونة عن "عبدالله الأوزبكي" أنه سجن عدة مرات أطولها 6 أشهر، بسبب "سرقة سيارات واعتداء على عسكر"، فيما تقول عن "أبو حمزة البلجيكي" أنه سجن بشكل "متكرر بسبب سرقة وقتال مع الشرطة طيلة خمس السنوات الأخيرة".
وكانت "البلجيكي" دخل إلى سوريا والتحق بالتنظيم بتاريخ 11-6-2014، كما تظهر وثيقة بياناته، وقد تمكنت السلطات البلجيكية من قتله مع آخر منتسب للتنظيم مطلع 2015، أي بعد نحو 6 أشهر من انتمائه للتنظيم، فيما يبدو أنه كان يخطط لتأسيس خلية نائمة لشن عمليات يتبناها التنظيم.
وتظهر وثيقة "أبو حذيفة المصري" أنه قضى سنة في السجن بسبب "جنائي" دون أن توضح هذا السبب، وكذلك هو الحال بالنسبة لـ"أبو نورة" القادم من السعودية، والذي سبق له أن زار سوريا وسجن فيها 5 أشهر، دون أن يكشف هو -أو تكشف وثيقته- عن سبب سجنه.
*نقلة
بعض المعلومات المدونة في الوثائق الخاصة بعناصر لهم ماض في السجون، تلفت الانتباه إلى وجود أشخاص "خرجوا حديثا" من سجنهم، واتجهوا مباشرة للالتحاق بالتنظيم، وهي "نقلة استثنائية" يفترض أن تكون بعيدة عن الصورة المرسومة للتنظيم في وجدان مريديه، لاسيما في ظل عدم وجود فترة فاصلة بين خروج العنصر من السجن والتحاقه بالتنظيم.
فهذا "أبو صادق الإندنوسي" من مواليد 1981، يقول في وثيقة بياناته إنه "لايوجد عنده عمل.. خرج من السجن حديثا"، ومثله "أبوخبيب الأزدي" القادم من السعودية، الذي يفصح أنه "ليس لديه عمل.. حديث الخروج من السجن"، كما يفصح أنه استخدم جواز سفر يعود إلى صديقه في الخروج من بلاده، ما يوحي بخطورة "جرمه" الذي استوجب وضعه -فيما يبدو- على قوائم الممنوعين من الحصول على جواز أو محظوري السفر.
ويظهر حقل "ملاحظات" في الوثيقة العائدة لـ"أبو عبدالكريم الشمالي التيطواني" من المغرب أنه سجن 5 سنوات و"أفرج عنه منذ 50 يوما من دخوله"، علما أن تاريخ دخول "التيطواني" هو: 23-10-2013.
*تزكيات من خلف القضبان
بيّنت بعض الوثائق التي فحصتها "زمان الوصل" واستخرجت بياناتها، أن هناك فئة من الملتحقين بتنظيم "الدولة" حصلوا على "تزكيات" تخولهم الانضمام للتنظيم عن طريق أناس ما زالوا يقبعون في السجون، ومن هؤلاء "أبو البراء التركي" الذي دخل سوريا في صيف 2014، وزكاه شخصان أحدهما "أبو بكر التركي" ويعمل ضمن إدارة الحدود التابعة للتنظيم، والآخر "أبو حنظلة" وهو "مسجون في تركيا"، كما توضح الملحوظة المدونة في خانة التزكية.
أما "أبو الخير" الشاب العشريني القادم من السعودية، والذي اختار أن يكون "استشهاديا"، فقذ زكاه شخص يكنى "أبو أنس" مسجون في لبنان، فيما تقول وثيقة البيانات الخاصة بـ" أبو البراء الإيعالي" القادم من لبنان أن "الإخوة بسجن رومية يعرفونه جيدا"، في إشارة إلى السجن الأشهر في لبنان.
وتكشف وثيقة "الإيعالي" أيضا أن "الأخ كان في القلمون مرتين وبايع الدولة عند الوالي السابق للقلمون أبو عبد الله العراقي".
* 7 أشهر و20 ألف دولار
تميط وثائق التنظيم عن نوع آخر من "المسجونين" الذين التحقوا بالتنظيم، وهم المعتقلون على خلفيات ترتبط بسلوكاتهم وتوجهاتهم، وخصوصا "الجهادية"، ومن هؤلاء "أبو حمزة الكوي" القادم من روسيا، الذي يقول إنه حاول الالتحاق بالمجاهدين في "مالي" بأفريقيا، وأن هذه المحاولة كلفته السجن مدة 8 شهور.
ويقول "عبدالله الكوسوفي"إنه مكث في عدة بلدان منها إيطاليا (10 سنوات)، تركيا (4 سنوات)، وإنه "ذهب لأفغانستان للجهاد، ثم ذهب لأوروبا 2011 وسجن سنة ونصف مرتين".
وتكشف بيانات "أبو مهدي تركستاني" البالغ 36 عاما، عن أنه كان مسجونا مدة 10 سنوات بسبب "الدعوة للجهاد"، أما "أبو سالم البغدادي"، فلا تذكر الوثيقة الأصلية كامل اسمه الحقيقي، مكتفية بتسميته "أيمن" والإشارة إلى جانب هذا الاسم بأنه "مبايــع قـديــم"، مشيرة إلى أنه "اعتقل عند الأمريكان في المطار 9 أشهر ونصف ثم نقل إلى السجن العراقي، وبعدها طلع (خرج) واعتقل 10 أيام".
ويقول "أبو الدحداح التونسي" من مواليد 1989، والقدم من القيروان أنه سجن لمدة شهر في "بداية الثورة (التونسية)".
وأخيرا يبرز اسم "مصعب تركستاني" من بين الوثائق التي تشير إلى سجن صاحبها، حيث تظهر بياناته أنه سجن في تركيا 70 يوما، علما أن تركيا كانت محطته قبل الأخيرة في الوصول إلى الأراضي المحكومة بسلطة التنظيم (سمتها الوثيقة دولة الإسلام).
ووفقا لما دُون في وثيقته فإن "مصعب تركستاني" قطع رحلة استمرت 7 شهور، أنفق خلالها كل مدخراته البالغة 20 ألف دولار، وبدأها من الصين حتى وصل إلى مبتغاه في سوريا، مرورا بفيتنام ثم كمبوديا فتايلاند ثم ماليزيا فسنغافورة ومنها طار إلى تركيا.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية