أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما بين غربتين وغربة.. عبدالوكيل بيرقدار*

صورة تعبيرية - أرشيف

الطموح والأحلام والمشاريع المشتركة، والزيارات بترتيبها وتداولها بين الأصدقاء، هي الشغل الشاغل لمن يوشك على التسريح من خدمة العلم، في الثمانينيات، حيث الخدمة الاحتياطية مفتوحة وغائبة.

يحاول الشاب بدايةً أن يطلق لحيته، كتعبير عن الحرية والتحرر من الواجب والفرض العسكري، واستراحة وجهه من سكينٍ صديق.

كانت الأزمة الإقتصادية تعصف بالبلاد .. وتعصف الأزمة الأمنية بالشباب الطامح نحو الحرية بوسائلٓ سلمية، أقصى ما يمتلكونه هو القلم.

القبضة الأمنية بعد أحداث الثمانينيات وخصوصا بعد تدمير حماة وقتل الآلاف من أهلها، وفتح السجون على مصراعيها، هو الحدث الأبرز في الشارع السوري.

وفق المعطيات والممكنات وغياب فرص العمل، ليس أمام الشاب السوري إلا أن ينحاز بترك لحيته واستثمارها دينياً من خلال التزامه بالصلوات في المسجد وأهمها صلاة الصبح، لما لها من مردود اجتماعي ومعنوي.

ومن جهة أخرى استثمارها، إن لزم الأمر، بانتحال عنصر أمن لدى إحدى الفروع، حيث كانت العناصر أيضا وفق شأن ممنهج أن يطلقوا لحاهم.

في ذلك الحين وحتى نهايات التسعينيات، كانت الأمور الأمنية مرتبطة ببعضها، حيث يتعذر العمل والسفر بمنع إصدار موافقة أمنية لكل من له قريب معتقل أو مطلوب.

كان السفر والغربة هما الهاجس الأول حال امتلاك جواز سفر.

في منتصف التسعينيات حصلتُ على جواز سفر بعد عناء، وواسطات ورشى.

وكانت غربتي الأولى باتجاه أوكرانيا.

لم يكن حينها الاتصال متوفرا، حيث لا موبايلات ولا إنترنت، ولا هاتفا أرضيا في أغلب مناطق سوريا الريفية التي يضفي عليها الأسد الأب من حكمته وعطاءاته.

كان الاتصال أشبه بإعادة الروح، بقطرة ماء للاعب كرة قدم بذل جهداً مضاعفا.

وكانت الرسائل سهولاً وصفصاف النهر وسهرات الأحبة.

لا الطبيعة، ولا الغابات، ولا الأنهار، ولا العصافير التي لا تخاف من خطوكٓ، فتصبح مضطرا للابتعاد قليلا كي لا تطحنها بقدمك المرتبكة.

كلها كلها..لا يمنحك الأمان ولا السعادة أمام ما ترسم من ابتسامات أولادك وعناقاتهم لك حين تعود، أن ترى خشوع الحنين في عيني أبويك، أن يسألك الأصدقاء عن البلد وجمال بناتها ومساحة الحرية وإمكانية النوم مع ملكة جمال بعلبة "شيكلس".

وحدها الكأس الثامنة من الفودكا الرديئة تأخذك نحو النوم، تاركاً البار وما تيسر من خصورٍ تدور في فضاءاتها، كصوفي عاشق.

لأكثر من عشرين عاما، وأنت في جحيم الربع الخالي بعد أن تركت أوكرانيا، تعود إلى ما يشبهها وأكثر أمناً وأماناً.

ما الذي تغير أيها الشقيّ؟؟
رغم حضور النت وإمكانية رؤية الأحباب أنّى أردت.
رغم غياب الرسائل ورائحة الطوابع.
يااااا الله ... لا شيء.
فقط سوريا ..

* عبدالوكيل بيرقدار - مشاركة لـ"زمان الوصل"
(248)    هل أعجبتك المقالة (212)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي